तम्हीद तारीख फलसफा इस्लामिय्या
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
शैलियों
وجاء بعد ذلك أبو نصر الفارابي المعلم الثاني المتوفى سنة 335ه/950م فعرض لتحديد معنى الفلسفة، وعرض للإحاطة بأقسامها، وذكر الغاية منها والفرق بين الدين والفلسفة في بيان أفصح وأبسط؛ لكنه فرق هذه الأبحاث في مواضع من كتبه لمناسبات، لم يعمد إلى جمعها في نسق، ولم تخل أقواله على بسطها من اضطراب وغموض في بعض الأحايين.
قال في كتابه «الجمع بين رأيي الحكيمين»: «إذ الفلسفة حدها وماهيتها أنها العلم بالموجودات بما هي موجودة، وكان هذان الحكيمان هما مبدعان للفلسفة ومنشئان لأوائلها وأصولها، ومتممان لأواخرها وفروعها، وعليهما المعول في قليلها وكثيرها، وإليهما المرجع في يسيرها وخطيرها، وما يصدر عنهما في كل فن إنما هو الأصل المعتمد عليه لخلوه من الشوائب والكدر، بذلك نطقت الألسن وشهدت العقول، إن لم يكن من الكافة، فمن الأكثرين من ذوي الألباب الناصعة والعقول الصافية.
ولما كان القول والاعتقاد إنما يكون صادقا متى كان للموجود المعبر عنه مطابقا، ثم كان بين قول هذين الحكيمين في كثير من أنواع الفلسفة خلاف، لم يخل الأمر فيه من إحدى ثلاث خلال: إما أن يكون هذا الحد المبين عن ماهية الفلسفة غير صحيح، وإما أن يكون رأي الجميع أو الأكثرين واعتقادهم في تفلسف هذين الرجلين سخيفا ومدخولا. وإما أن يكون في معرفة الظانين فيهما بأن بينهما خلافا في هذه الأصول تقصير، والحد صحيح مطابق لصناعة الفلسفة، وذلك يتبين من استقراء جزئيات هذه الصناعة، وذلك أن موضوعات العلوم وموادها لا تخلو من أن تكون: إما إلهية، وإما طبيعية، وإما منطقية، وإما رياضية أو سياسية.
وصناعة
6
الفلسفة هي المستنبطة لهذه والمخرجة لها، حتى إنه لا يوجد شيء من موجودات العالم إلا وللفلسفة فيه مدخل، وعليه غرض، ومنه علم بمقدار الطاقة الإنسية، وطريق القسمة
7
يصرح ويوضح ما ذكرناه، وهو الذي يؤثر الحكيم أفلاطون، فإن المقسم يروم ألا يشذ عنه شيء موجود من الموجودات، ولو لم يسلكها أفلاطون، لما كان الحكيم أرسطوطاليس يتصدى لسلوكها.
غير أنه لما وجد أفلاطون قد أحكمها وبينها وأتقنها وأوضحها، اهتم أرسطوطاليس باحتمال الكد وإعمال الجهد في إنشاء طريق القياس، وشرع في بيانه وتهذيبه ليستعمل القياس والبرهان في جزء جزء مما توجبه القسمة؛ ليكون كالتابع والمتمم والمساعد والناصح.
ومن تدرب في علم المنطق وأحكم علم الآداب الخلقية، ثم شرع في الطبيعيات والإلهيات، ودرس كتب هذين الحكيمين، يتبين له مصداق ما أقوله، حيث يجدهما قد قصدا تدوين العلوم بموجودات العالم، واجتهدا في إيضاح أحوالها على ما هي عليه من غير قصد منهما لاختراع أو إغراب أو إبداع وزخرفة وتشويق، بل لتوفيته كلا منها قسطه ونصيبه بحسب الوسع والطاقة.
अज्ञात पृष्ठ