أصل مصدرية الرجحان وهو أولى من تسميته مكروها، لرجحان فعله في الجملة، ولا يندفع الأول إلا بذلك.
وأما الثاني، فالاستحباب المتعلق بالفرد الكامل من أفراد المخير لا يقوم غيره مقامه مع جواز تركه؛ والبدل الحاصل من فعل الآخر إنما هو بدل الفرد الآخر من حيث الوجوب، لا الاستحباب، إذ لا يشتمل على فضيلة المتروك، فالاستحباب فيه عيني، والوجوب تخييري، فلا منافاة.
وبهذا يظهر أن محلهما مختلف، إذ محل الوجوب أمر كلي، ومحل الاستحباب جزئي شخصي؛ وهو أظهر في عدم التناقض.
وأما الثالث، فمبنى جعلهم الحكم متعلق بالفعل على أن المكلف به لا بد أن يكون فعلا؛ ليمكن إحداثه وتركه؛ إذ الترك عدمي لا قدرة على تركه، لاستلزامه تحصيل الحاصل.
ومن ثم جعلوا التكليف به متعلقا بإيجاد ضده، أو توطين النفس عليه هربا من ذلك (1).
ومعنى كراهة الترك يرجع إلى كراهة الفعل المشتمل عليه أو نحو ذلك.
إذا تقرر ذلك فيتفرع على القاعدة المذكورة فروع كثيرة أمرها واضح بعد ما قررناه.
وذلك كالطهارة بالماء المسخن بالشمس للأحياء، وبالمسخن بالنار للأموات، والصلاة في الأوقات الخمسة والأماكن المشهورة، واستحباب الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات وبالقراءة في الجمعة وظهرها على قول، والجمعة في حال الغيبة، وقراءة سورة معينة في بعض الفرائض والنوافل، والهرولة بالسعي في مواضعه، والجهر للإمام بأذكاره الواجبة، والإخفات
पृष्ठ 36