314

============================================================

التمهيد شرح معالمر العدل والتوحيل الجواب الثالث وهو جواب أبي الحسين والخوارزمي، أنا نسلم أنه سأل الرؤية لنفسه على وجهين: أحدهما أن يكون سؤاله عليه الصلاة والسلام مع علمه باستحالة الرؤية على الله تعالى، ويكون لسؤاله فائدتان: إحداهما أن يضم الأدلة السمعية إلى الأدلة العقلية؛ لأن في كثرة الأدلة وتناصرها تقوية وبيانا إذا كانت من جنس واحد، فكيف بها إذا كانت من جنسين عقلي وسمعي، وهذا أكثر الله من الأدلة على وجوده.

الفائدة الثانية أن مثل هذا قد وقع من إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث سأل الله تعالى بقوله: (أرني كيف ثحيي المؤتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمين قلبي)(1)، وكما وقع مثل ذلك من الملائكة حيث قالوا: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)(2)، مع أنهم عالمون بدليل العقل استحالة ذلك على الله تعالى، أما على مذهبكم فلأنه لا يقبح من الله تعالى قبيح، وأما على مذهبنا فإنهم عالمون بحكمة الله تعالى وأنه لا يفعل القبيح، ومع ذلك فقد سألوا، وبالجملة قدوقع ذلك منهم، فما كان الفائدة في سؤالهم، فالعذر لهم فيه ها هنا فهو بعينه قائم في سؤال موسى عليه الصلاة والسلام للرؤية.

الوجه الثاني أن يكون سؤاله للرؤية عليه الصلاة والسلام مع عدم علمه باستحالتها على الله تعالى، ويكون فائدة سؤاله أن يحصل له العلم باستحالة الرؤية على الله تعالى بالسمع، وهذا جائز، آما على مذهبنا فهو آن المعارف وإن كانت كلها عقلية فعدم علمه باستحالة الرؤية على الله لا يكون جهلا بالله، إذ ليس للمرثي بكونه مرثيا حال، فيقال إنه قد جهله. وأما على مذهبكم فالمعارف كلها إنما وجبت بالشرع، فلعل في شريعة موسى أن 1- سورة البقرة: آية 260.

2- سورة البقرة: آية 30.

पृष्ठ 314