والجزء الثالث لصناعة المديح، أعنى التالى للثانى، هو: الاعتقاد. وهذا هو القدرة على محاكاة ما هو موجود كذا، أو ليس بموجود كذا. وذلك مثل ما تتكلفه الخطابة من تبيين أن شيئا موجود أو غير موجود. إلا أن الخطابة تتكلف ذلك بقول مقنع، والشعر بقول محاك. وهذه المحاكاة هى أيضا موجودة فى الأقاويل الشعرية.
قال: وقد كان الأقدمون من واضعى السياسات يقتصرون على تمكين الاعتقادات فى النفوس بالأقاويل الشعرية حتى شعر المتأخرون بالطرق الخطبية. — والفرف بين القول الشعرى الذى يحث على الاعتقاد، والذى يحث على العادة، أن الذى يحث على العادة يحث على عمل شىء أو على الهرب من شىء. والقول الذى يحث على الاعتقاد إنما يحث على أن شيئا موجود أو غير موجود، لا على شىء يطلب أو يهرب عنه.
والجزء الرابع لهذه الأجزاء، أعنى التالى للثالث، هو: الوزن. ومن تمامه أن يكون مناسبا للغرض. فرب وزن يناسب غرضا ولا يناسب غرضا آخر.
والجزء الخامس فى المرتبة هو: اللحن. وهو أعظم هذه الأجزاء تأثيرا وأفعلها فى النفوس.
والجزء السادس هو النظر، أعنى الاحتجاج لصواب الاعتقاد أو صواب العمل، لا بقول إقناعى، فان ذلك غير ملائم لهذه الصناعة، بل بقول محاك. فإن صناعة الشعر ليست مبنية على الاحتجاج والمناظرة، وبخاصة صناعة المديح، ولذلك ليس يستعمل المديح صناعة النفاق والأخذ بالوجوه كما تستعملها الخطابة.
قال: والصناعة العلمية التى تعرف من ماذا تعمل الأشعار وكيف تعمل، أتم رئاسة من عمل الأشعار، فان كل صناعة توقف ما تحتها من الصنائع على عملها هى أرأس مما تحتها.
[chapter 5] فصل
पृष्ठ 211