يواصل القراءة وهو يلف القاعة: التحق الأب بقوات جيش الإنقاذ وكون الولد فرقة من 30 طفلا. تسللوا معه من الحدود حتى «القدس». نسفوا معاقل اليهود في حي النبي «داود». كان الصغير يقتحم حقول الألغام وينسفها. أشرف على ثلاثة بيوت تحصن بها اليهود بمدافعهم الرشاشة . تمكن من نسف البيتين الأول والثاني. هاجم الثالث ممسكا مدفعه الرشاش بيمينه وفتيل اللغم بيساره وصاح: يا «هاجناه». إن كنتم رجالا أطلوا برءوسكم وقاتلوني وجها لوجه. لم يجرؤ أحد وإنما انطلقت رصاصة في ظهر الطفل أردته قتيلا.
ينتقل المدرس إلى السبورة. يقول: كل واحد يرسم اللي يعجبه من القصة. أرسم الأب وولده. لا يعجبني الرسم. أزيله بالممحاة. أرسم حقلا من النباتات والأشجار. أحتار في شكل الألغام وأين أضعها. المدرس يلف من خلفنا. يتأمل ما نرسم. ينحني فوقي ويرسم لي شجرة. يربت على ظهري مشجعا. أرسم ولدا على حافة الحقل.
يستبقيني المدرس أنا وثلاثة آخرين في نهاية الحصة. يأخذنا إلى حديقة المدرسة. نجلس فوق الحشائش الخضراء أسفل شجرة. يعدنا أن يجعل منا رسامين. يطلب منا أن نرسم فرع شجرة بما عليه من أوراق. أنقل الفرع وأوراقه بدقة بالقلم الرصاص. أملأ الصفحة. أمشي فوق الرصاص بقلم الحبر. يقول: كفاية كده النهارده.
أحمل شنطتي وأغادر المدرسة. أمضي في الشارع المؤدي إلى مدرسة اليهود. أخطو فوق الحصى الملون. أقف عند الناصية. أتطلع يسارا. أغصان الأشجار جرداء. أخطو فوق زهور صفراء وحمراء. أبلغ الناحية المقابلة لمنزلنا. نوافذ شقتنا مفتوحة. يتراءى منها خيال شخص. على بعد خطوات وابور زلط هاجع. جانب الطريق مرصوف بالأسفلت. رائحة الزفت المغلي. كوم الزلط أمام المنزل. تلمع حباته في ضوء القمر. نجلس فوق قمته. نحك حبات الزلط بعضها ببعض. ينطلق منها شرار ملون. يناديني أبي فأسرع إلى الداخل. أذهب على الفور إلى الحمام. أغسل وجهي وقدمي. ألحق به عند النافذة. يكون الظلام قد حل. تأتي أمي بالقهوة وهي تغني.
أعود إلى بداية الشارع ومنه إلى الميدان. أعبره. أمضي من أمام دكان الحاج «عبد العليم». أدخل الحارة. ألمح أبي في البلكونة. الشال الصوفي العريض حول رقبته. الطاقية الصوفية الكبيرة فوق رأسه. عنقه ملوي نحو مدخل الحارة. يتراجع بمجرد أن يراني. أصعد الدرج. أفتح الباب بمفتاحي. أدخل الحجرة. يقف إلى جوار الدولاب ممسكا بكتاب «شمس المعارف». لا يكلمني.
أضع الشنطة فوق المكتب. أستخرج كراساتي. أرصها فوق بعضها. أتابعه بركن عيني. يستدير. يضع الكتاب مفتوحا على السرير. يغادر الغرفة. أختلس النظر من الباب الموارب. أسمع صوته في المطبخ يعد الطعام. أستخرج مفتاح الغرفة من جيبي. أدفعه في ثقب الباب. أقترب من السرير. أنحني فوق الكتاب. هناك كتيب صغير بين دفتيه. أرفعه لأقرأ عنوانه. أتوقع شيئا عن عقاب الابن العاق. «في القوة على الباه». أقلب صفحاته. لا أفهم شيئا. أعيده إلى مكانه.
أخرج إلى الصالة. أبحث عنه. لا أثر له في الكنيف أو المطبخ. أعود إلى الصالة. باب المنور مغلق. أقترب من حجرة «ماما تحية». الباب مغلق. أنظر من ثقب المفتاح. كما هي عارية من أي أثاث. ألف حول المائدة. باب حجرة الضيوف مغلق. أنظر من ثقب المفتاح. يطالعني جالسا فوق الكنبة. رأسه منحن. يتأمل الأرض. يرفع يديه إلى وجهه. يجهش فجأة بالبكاء وينهنه كالأطفال.
8
ينتهي من صلاة الجمعة فوق السرير. ينزوي متجهما في ركنه اللاصق بالحائط. المسبحة الألفية في يده. يردد في تركيز اسم «لطيف».
أسمع ضجة في الحارة. ألبس نظارتي وأهرع إلى البلكونة. يرتفع صوته بالاسم الإلهي دون أن يلتفت نحوي. طريقته في التحذير من عمل أي ضجة.
अज्ञात पृष्ठ