ينتهي من تحمير اللحم. يسخن الخبز فوق النار. تضع طبقين فوق المائدة. يقول إن المائدة قذرة لا تفتح الشهية. تهرع لتنظيفها بليفة المطبخ. يطلب منها أن تؤجل ذلك إلى بعد الأكل. يحمل حلة اللحم إلى غرفتنا. يضعها على المائدة المستديرة. تضم إليها الطبقين والخبز. تحتفظ بطبقها في يدها. يجلس فوق حافة السرير. أجر كرسي المكتب وأجلس أمامه. يغرف لنا. تقدم إليه طبقها. يغرف لها. تهم بالجلوس على الأرض فيقول لها: اقعدي ع السرير. إنت زي بنتي. تجلس إلى جواره. أفقد كل رغبة في الأكل.
يدق جرس الباب. تهم بالقيام لفتحه فيشير لها أن تبقى. يشير إلي أن أرى من الطارق. أفتح الباب لأجد «عباس» أمامي. - «فاطمة» هنا؟ لا أعرف بماذا أجيب. - طب اندهلي البيه.
أتركه وأسرع لأبي. ينهض واقفا ويغادر الغرفة. يغلق الباب خلفه. أفكر في أن أتبعه لكني لا أريد أن أترك «فاطمة» وحدها. أقف خلف الباب. تقف إلى جواري. ننصت. صوت أبي: اقعد يا «عباس». يحدثه بلهجة حازمة. لا نتبين شيئا من الحديث الدائر. صوت «عباس» يوحي بالمسكنة. ينادي أبي على «فاطمة». تخرج إلى الصالة وأنا خلفها. يقول لها: خلاص يا بنتي. روحي مع جوزك. مش حيمد إيده عليكي تاني. وابقي خدي هدومك بعدين لما تنشف. يتجه «عباس» إلى باب الشقة وهي في أعقابه.
2
يتناول طربوشه بيده اليسرى. يرفعه إلى مستوى صدره. يثني ذراعه الأيمن. يقرب اليد اليمنى من الطربوش. يمسح جوانبه بكمه. يضعه فوق رأسه. يغلق باب الغرفة بالمفتاح. يطلب من «فاطمة» أن تطهو «السبانخ» كما علمها. وتضيف إليها قليلا من الحمص الجاف. نخرج إلى الشارع. بقالة شيخ الحارة مغلقة. أميل ناحية دكان الخردواتي. يجذبني في حدة من ذراعي. نعبر إلى الرصيف الآخر. نمر من أمام دكان الحاج «مشعل». جالس في المدخل. ضخم الجسم. يرتدي قميصا بكم طويل وبنطلونا. شعر رأسه مدهون بالفازلين. يبتسم ابتسامة غير مريحة عندما يرانا. يتجاهله أبي.
ندلف إلى حارة مجاورة. نصبح في شارع مواز. - «خليل». ألتفت ضيقا بمن ينادي أبي دون لقب البيه. «علي صفا» يقترب مهرولا. يمشي وقدماه منفرجتان لأقصى اليمين واليسار. يرتدي سترة زرقاء وبنطلونا رماديا. يتوقف أبي حتى يلحق بنا. يتصافحان. أقف بينهما. ينحيني أبي إلى يمينه ونواصل السير بحيث يكون «علي صفا» إلى يساره. يسأله أبي: إنت رحت فين؟ اتجوزت؟ يقول «علي صفا»: هو أنا مجنون؟
يمد يده ليداعب خدي متسائلا: مفيش مدرسة النهارده؟ يبعدني أبي بحزم عن يده قائلا في اقتضاب: كل يوم الوقت إضراب. يقول إنه ذاهب إلى كبانية النور. يمضي مبتعدا. أسأل أبي لماذا شدني؟ يقول: أصله بيبوظ العيال الصغيرين. أفكر في هذا اللغز.
ندلف إلى حارة صغيرة. رائحة عفونة ورطوبة. نلج منزلا بلا بواب. نرتقي الدرج إلى الطابق الثاني. يدق باب شقة. يأتي صوت أنثوي بعد لحظة: مين؟ يقول أبي: أنا يا «عزيزة». يتكرر الصوت: مين؟ - أنا «خليل» يا «عزيزة» افتحي. - دقيقة يا بيه. ينفرج الباب عن زوجة الحاج «عبد العليم». أطول من أبي وذات وجه أبيض جميل تتناثر عليه عدة حسنات سوداء صغيرة. شعر رأسها ملفوف بطرحة تبدأ من منتصف رأسها حتى عنقها. تبدو منها ضفيرة شعر. تحمل طفلا فوق ذراعها. - اتفضل يا بيه - تمط كلمة «بيه» كعادة الفلاحين - إنت مش غريب.
ندخل أنا وأبي. صالة واسعة خالية تماما من الأثاث. في مواجهتنا غرفة تقف في مدخلها «صفية» زوجة شقيق الحاج. يبدو خلفها سرير مرتفع عن الأرض بأعمدة نحاسية عالية. يخاطبها أبي قائلا: العواف. تقول ببرود: العواف عليك. يتجاهلها ويتبع «عزيزة» إلى الغرفة الثانية. نقف عند الباب. بها سرير مماثل يرقد عليه طفل. يقول أبي: أنا جاي بس أطمن عليك. تحبي تبعتيله أكل ولا حاجة؟ - ربنا يخليك يا بيه. «سليم» أخد له أكل وفلوس. يستدير أبي وأنا معه في اتجاه الباب الخارجي: إن شاء الله يخرج النهارده. ع العموم لو عزت أي حاجة قولي. - ربنا ما يحرمنا منك يا بيه.
نغادر الشقة. نخرج إلى الشارع الرئيسي. نتجه إلى محطة الترام القريبة. نركب. نستبدل الترام في العتبة. يتجه الترام الجديد إلى شارع «عبد العزيز» المجاور لمبنى المطافئ. يستدير الترام أمام مبنى «عمر أفندي». نغادره بعد محطتين. نعبر القضبان إلى الرصيف المقابل. نتوقف أمام مبنى ضخم تجمع الناس أمامه. يضع أبي يده على صدره فوق قلبه مباشرة. أسأله: مالك؟ يقول النشالين هنا كتير. نصعد درجات قليلة بين أعمدة حجرية. نلج باحة واسعة امتلأت بالناس. بائع متربع أسفل عمود رخام. أمامه صينية بها أقراص طعمية وأرغفة عيش وطبق سلاطة. يحيط به الآكلون.
अज्ञात पृष्ठ