أحضر النادل شريحة لحم كبيرة على لوح خشبي تحوطها حصون من الفطر والجزر المقطع قطعا صغيرة والبازلاء والبطاطس المهروسة المحمرة الوجه والمجعدة. يثبت دينش نظارته ويحدق باهتمام إلى شريحة اللحم على اللوح الخشبي.
يقول، مقطعا بسكين فولاذي مصقول حاد شريحة اللحم السميكة نصف المطهوة والمتبلة جيدا بالفلفل الأسود: «طبق سخي جدا يا بين، ينبغي أن أقول إنه طبق سخي جدا ... هذا ما في الأمر يا بالدوين ... عندما أنظر إليه ... البلد يمر بفترة خطيرة من إعادة الإعمار ... الارتباك المصاحب بانتهاء صراع كبير ... إفلاس قارة ... يذيع صيت البلشفية والمذاهب الهدامة ... أمريكا ...» مضغ قضمة ملء فمه ببطء. استأنف قائلا: «أمريكا في موقع يجعلها تتولى حراسة العالم. المبادئ العظيمة للديمقراطية، مبادئ تلك الحرية التجارية التي تعتمد عليها حضارتنا بأكملها صارت على المحك أكثر من أي وقت مضى. الآن نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى رجال يتمتعون بقدرات راسخة ونزاهة لا تشوبها شائبة في الوظائف العامة، ولا سيما في المناصب التي تتطلب خبرة قضائية ومعرفة قانونية.» «هذا ما كنت أحاول أن أقوله لك منذ بضعة أيام يا جورج.» «حسنا هذا كله جيد يا جاس، ولكن كيف لك أن تعرف أنهم سينتخبونني ... ففي نهاية المطاف سيعني هذا التخلي عن ممارستي للمحاماة لعدد من السنوات، سيعني ...» «اترك هذا لي فحسب ... لقد انتخبت يا جورج بالفعل.»
يقول دينش: «شريحة لحم جيدة للغاية، يجب أن أقول ... كلا، ولكن الصحف تتناول أحاديث جانبية ... صادف أن عرفت من مصدر سري وموثوق أن هناك مؤامرة تخريبية بين العناصر غير المرغوب فيها في هذا البلد ... يا إلهي، فكر في انفجار وول ستريت ... يجب أن أقول إن موقف الصحافة كان مرضيا في أحد الجوانب ... نحن نقترب في الواقع من وحدة وطنية لم نحلم بها قبل الحرب.»
قاطعه جاس، قائلا: «كلا، ولكن يا جورج، لنتحدث بصراحة ... من شأن القيمة الدعائية للعمل السياسي دعم مسيرتك في المحاماة نوعا ما.» «ربما نعم وربما لا يا جاس.»
يفك دينش ورق القصدير عن السيجار. «على أي حال، للأمر هيبة كبيرة.» يخلع نظارته ويرفع رقبته السميكة كي ينظر للخارج في الامتداد المشرق للميناء الممتد مليئا بالصواري، والدخان، ولطخ من البخار، ومستطيلات الصنادل الداكنة، إلى مرتفعات جزيرة ستاتن التي يغشاها الضباب.
كانت رقائق السحاب الساطعة تتفتت في السماء النيلية التي بدت مهشمة فوق متنزه باتري، حيث وقفت مجموعات من الأشخاص بثياب داكنة رثة حول محطة إنزال جزيرة إيليس ورصيف القوارب الصغير، كما لو كانت تنتظر شيئا ما في صمت. علق الدخان المنهك لزوارق القطر والبواخر منخفضا وممتدا على طول المياه الخضراء بخضرة الزجاج المعتم. كانت المراكب الشراعية الثلاثية الصواري تسحب إلى مصب نهر الشمال. تخبط الشراع المرفوع لتوه على نحو خطر في الرياح. وفي المرفأ لاحت طويلة، طويلة باخرة بوجهتها الأمامية ، ومداخنها الأربع الحمراء التي ظهرت كمدخنة واحدة، لامعا هيكلها العلوي السمني اللون. صاح الرجل الحامل للمجهر والمنظار الميداني: «أتت الباخرة «موريتانيا» لتوها بعد تأخير دام 24 ساعة ... انظروا إلى الباخرة «موريتانيا»، أسرع سفينة في المحيط، تتأخر 24 ساعة.» تتبختر الباخرة «موريتانيا» شامخة كناطحة سحاب عبر ميناء الشحن. شحذت فرجة من ضوء الشمس الظل أسفل غرفة القيادة العريض، على طول الخطوط البيضاء للأسطح العليا، لامعة في صفوف كوات الباخرة. كانت المداخن متباعدة، وبدن الباخرة منبسطا. يسير بدن الباخرة «موريتانيا» الأسود الصلب إلى نهر الشمال قاطعا الطريق كسكين طويل ودافعا بزوارق القطر النافخة دخانها أمامه.
كانت ثمة عبارة تغادر محطة المهاجرين، وحفت همهمة عبر الحشد الذي كان يملأ حواف الرصيف. «المرحلون ... إنهم الشيوعيون الذين ترحلهم وزارة العدل ... المرحلون ... الحمر ... إنهم يرحلون الحمر.» كانت العبارة خارج المنزلق. جلست مجموعة من الرجال متسمرة في المؤخرة وقد بدوا شديدي الصغر كتماثيل الجنود القصديرية. «إنهم يرحلون الحمر إلى روسيا.» لوح منديل على متن العبارة، منديل أحمر. كان الناس يمشون على أطراف أصابعهم برفق إلى حافة الممشى، على أطراف أصابعهم، هادئين كما لو كانوا في غرفة للمرضى.
خلف ظهور الرجال والنساء المحتشدين إلى حافة المياه، سار رجال الشرطة بوجوههم الأشبه بوجوه الغوريلا متأهبين للشجار ذهابا وإيابا يؤرجحون هراواتهم في توتر. «إنهم يرحلون الحمر إلى روسيا ... المرحلون ... المحرضون ... غير المرغوب فيهم.» ... دارت النوارس وصاحت. كانوا كزجاجة صلصة كاتشاب تعلو وتهبط بعنف في الأمواج الصغيرة البيضاء بياض الزجاج المصقول. جاء صوت غناء من العبارة التي يصغر حجمها منسلة عبر المياه.
هذا هو النضال الأخير، لنتحد معا، وغدا ستوحد الاشتراكية الدولية الجنس البشري.
صاح الرجل الحامل للمجهر والمنظار الميداني: «ألق نظرة على المرحلين ... ألق نظرة على الغرباء غير المرغوب فيهم.» انفجر صوت فتاة فجأة: «استيقظوا يا أسرى الجوع»، «صمتا ... يمكنهم أن يقبضوا عليك بسبب قولك هذا.»
अज्ञात पृष्ठ