ودخل رجل غامق السمرة، مترنح المشية، يرتدي بدلة، ويطالعنا بنظرة مسطولة من عينين جاحظتين. قدمه الغلام باعتباره عمه ثم ذهب تأدبا. وقال الرجل إنه من عدن، ولكنه في الأصل يمني، وإنه شريك في ملكية الفندق. وجلس على الكرسي الذي أخلاه الغلام. - حضرتك مقيت؟ - كلا. - مسطول؟
فضحك وأجاب بالنفي. سرعان ما أغرانا مظهره بممازحته فأثبت أنه أوسع صدرا مما تصورنا. - إن كنت حقا من عدن فهل تعرف لغة أجنبية؟ - عشت في عدن ومصر وسوريا وإنجلترا وفرنسا. - هل تستعمل القات؟ - كلا فإنه يضعف القوة الجنسية. - إذن فأنت حريص على قوتك الجنسية؟ - إن قرة عيني في التجارة والفسق.
ضحكنا طويلا، وانطلق يتكلم عن الفسق في شتى أشكاله وألوانه ومتناقضاته، وعقد مقارنات عنه في البلاد التي عاش بها، ولكي يقيم الدليل لنا على صحة مراجعه حدثنا عن مصر حديث العارف الدائر، حتى قال له شيخنا: إنك معجم فسق البلدان.
غادرنا الفندق لزيارة القائد العام ورئيس الجمهورية. طفنا بمخازن الإمام وبيت الرهائن، ثم شهدنا في المساء ندوة أدبية بالقصر الجمهوري. وقابلنا بعض الموظفين المصريين المنتدبين لعمل أول ميزانية للجمهورية اليمنية، وإقامة نظام مالي كأساس لحياتها الاقتصادية. وقد دعوني لزيارة جناحهم في القصر؛ فذهبت معهم وأنا أداعبهم قائلا: إذن فأنتم أول من بشر بالروتين في أرض اليمن.
وجلسنا نتحدث وأصوات الشعراء في الندوة تترامى إلينا. وقال أحدهم: لقد أغلقت اليمن الأبواب على نفسها ألف سنة فلم يختف منها الشعر، ولكن المشكلة الحقيقية هي متى يغزوها العلم؟
الجندي
على السرية الأولى أن تستعد وتتجهز بأدوات الميدان. شملتنا حركة نشاط متدفقة وعصبية. - لماذا؟ - للقفز في مدينة صعدا.
أمرت أن أذهب مندوبا عن ف 2 للتعيين، ذهبت إلى مركز التعيين، تسلمت مجموعة كافية من الفانلات والكلسونات وطواقي صوف وجرابات وأحذية وعلب سردين وبلوبيف. إلى صعدا، وما صعدا؟ مدينة أم قرية ؟ غزو أم إمداد؟ لن يكون القفز هذه المرة في ميدان تدريب كالمرات السابقة. - لندع الله أن تكون صعدا خيرا من صرواح.
هتفت مقطبا لأتمالك أعصابي: الأعمار بيد الله. - معي أربعة وعشرون ريالا وهي ثقيلة. - لفها حول وسطك كما فعلت.
ذهبنا إلى مبنى المطار لتسلم المظلات، أخذت مظلة أساسية بدون احتياطي. ليكن طريقا سهلا آمنا حتى نهبط فوق الأرض، لبست ما يلزمني في الحرب من بدلة مموهة، وبدلة اسموكس فوق بدلة كاكي قفز، والخوذة والبندقية، وحقيبة خزن، ومحفظة قنابل، وحقيبة الجراية وبها ذخيرة ومطواة. وانهمكت في إعداد أشرطة المظلة. وإذا بيد تساعدني، رفعت رأسي فرأيت زميلي بمدرسة مكارم الأخلاق بشبرا، تعانقنا .. عانقت فيه مصر وأهلها. - سأكون معك في الطيارة. - جان مستر؟ - نعم وسأساعدك على القفز. - أشكرك، هل تتذكر شبرا؟
अज्ञात पृष्ठ