بأنه عالم بالتفسير (١)، وفي الحقيقة فإن علوم الشريعة حلقات متداخلة، فلا يكون فقيهًا من لم يكن عالمًا بالتفسير، فليس في وصفه بالمفسر مع عدم ذكر إنتاجٍ له في ذلك مخالفة، فقد يكون له إنتاج ولكن لم يصل إلينا، وقد تكشف الأيام ما لم نره اليوم وتخبرنا عما لا نعلمه الآن.
وأما كونه شاعرًا مع عدم ذكر شيء من شعره فلا غرابة فيه، لأنه قد نقل ذلك مشاهد أعيان ورفيق زمانه أحمد الأفلاكي (٢)، الذي يقول: سمعته يقول شعرًا في رثاء جلال الدين الرومي وقت دفنه على تبره، ولعل البحث والتنقيب سيكشف لنا عن شيء من شعره، وهل كان باللغة العربية أم الفارسية أم التركية.
٥ - القاضي سراج الدين الأرموي المتكلم:
قد ظهرت شخصية القاضي سراج الدين الأرموي- ﵀ كمتكلم من خلال كتاب التحصيل، فيما تعرض له من مسائل على سبيل التبع والارتباط بينها، وبين بعض مسائل أصول الفقه، وهي كثيرة في كتابه التحصيل ومنها: التحسين والتقبيح العقليان، وعصمة الأنبياء، وشكر المنعم عقلًا وشرعًا، والصفة هل هي ذات الموصوف أم غيره وتكليف ما لا يطاق، وغير ذلك من المسائل. وأظهر في كل ذلك قدرة فائقةً في بحث هذ المسائل ونقاش أدلة المذاهب وخاصة المعتزلة، وأظهر احترازًا شديدًا من قاعدتهم المشهورة التحسين والتقبيح العقليين حيث أدخل كلمة شرعًا في جميع حدود الأحكام الشرعية الخمسة.
وقد صنف في ذلك كتبًا مستقلة، ومن ذلك مختصره لكتاب الأربعين للإمام فخر الدين الرازي المتمكن من ناصية علم الكلام في عصره، وقد بلغ فيه الذروة وسماه اللباب، وهو أيضًا من أمهات الكتب في هذا الفن.
والأرموي في صنيعه هذا كأنه يأبى إلَّا أن تمتد يده إلا للأمهات، ويرفض أن يقارن إلَّا العظماء فكما سبق له أن امتدت يده ليضع ظلال قلمه على
_________
(١) مقدمة لطائف الحكمة.
(٢) مناقب العارفين ١/ ٣٥٤.
1 / 32