1577381ج.م
مجموع الاحتياطي
8051217ج.م
وهنا لا نستطيع أن نسهب الكلام على الإصلاحات الأخرى التي تمت في مصر على أيدي بريطانيا، وقد يكون ذكرنا لها بعد أن عرفها القاصي والداني تحصيل حاصل؛ لأنه لا ينكر إلا المكابر ما قام به رجال الإنكليز من الأعمال العظيمة في وادي النيل، سيما ما يتعلق منها بإصلاح الري والزراعة، ونذكر في هذا المقام خزان أسوان وقناطر أسيوط التي تشهد لإنكلترا بالفضل على مصر ، وقد وفت الصحف هذين العملين العظيمين حقهما من الوصف والمدح، وذكرت في ذلك الحين أن خزان أسوان يغير مستقبل مصر ولا يجعلها في الأيام الآتية تحت رحمة فيضان النيل، ومهما تكن المبالغ الطائلة التي أنفقت على خزان أسوان، فإن المهندسين قد بنوه بإتقان ما جعل استرداد ما أنفق مضمونا، ولن يضيف هذا الخزان دينا إلى كاهل مصر فوق ديونها التي تئن منها، ولسنا نرى دليلا أقوى من خزان أسوان على حسن نيات إنكلترا في وادي النيل، ويحق لإنكلترا أن تفخر لنجاحها في مشروع خابت فيه آمال غيرها.
الفصل الأول
الدول العظام والمسألة المصرية
ذكرنا فيما مضى من هذا الكتاب الحوادث السياسية التي سببت احتلال إنكلترا لمصر في عام 1882، وشرحنا أسباب هذا الاحتلال وقد بررناه عندما احتاج إلى التبرير.
وثاني مسألة نرغب البحث فيها هي طبيعة هذا الاحتلال، وقد قلنا إنه حتى الآن قد استفادت منه مصر رغما عن كل ما قيل ضده، ولكننا إذا أردنا أن نضع أساسا نستطيع أن نبني عليه بناء حصينا يصور لنا الحال السياسية الحاضرة، ونشرح فيه ما يكنه المستقبل من الأحوال السياسية، يجب علينا أن نوسع دائرة البحث؛ ولذلك فنحن لا نستطيع أن نقصر بحثنا على النفوذ الإنكليزي في القطر المصري مهما كان هذا النفوذ عظيما؛ لأن مثل مصر كمثل الشبكة المختلفة الألوان، فإنها بلا جدال ملك لجميع الناس والممالك لأنها بصفة كونها مركزا للجزء الشرقي من الكرة الأرضية فهي بضرورة الحال محطة يتقابل فيها الشعوب، كما كانت في الزمن الغابر مرمى أبصار الفاتحين ومحط رحال الملوك والسلاطين.
وإذا كانت مصر ملكا للجميع بوضعها الجغرافي، فهي ملك للجميع أيضا من الجهة المالية بالنظر للأموال العظيمة الأوروبية التي أودعت فيها لإنجاحها، فإن كل دولة كبيرة أوروبية وضعت في مصر مبالغ كبيرة فكانت النتيجة أن كل دولة لها في مصر أغراض ذاتية، ورغبة شديدة في أن ترى مصر سائرة في طريق النجاح.
فإذا شئنا إذن أن نتكهن بمستقبل هذه البلاد ونرى بعين عقلنا الطريق التي تسير فيها في المستقبل فلا ينبغي لنا أن نهمل علاقات هذه الدول كلها بمصر؛ بل يجب علينا أن نتعمق في البحث لنعرف بالضبط ما هي هذه العلاقة الدولية؟ وما أهميتها لمصر؟
अज्ञात पृष्ठ