152

فأما عبيد الدنيا وخدم السياسة الدولية فهم أعداؤهم من عهد قديم، لأن الدنيا تكون مع الملوك، وأكثر الناس لا يصبرون على تحمل مشاق الجهاد والفقر والخوف والتشريد والتطريد، فيميل أبناء الدنيا مع ملوك الجور، ويكونون أعوانهم على ظلم آل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فلا يقرون بمثل هذا.

الدلالة الثالثة: حيث أوصى بهم كما أوصى بالكتاب في مقام إرشاد الأمة إلى ما ينجيهم من مضلات الفتن، وظلمات الشبه، وتلبيس المفسدين، لإشراف الأمة على فتن كقطع الليل المظلم، وإشراف الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)على فراقهم، كما يدل عليه قوله: « إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا » فكان المقام مقام إرشاد لسبب النجاة من الضلال بأسباب مضلة ينجيهم منها التمسك بالثقلين، لا لمجرد بيان الأدلة الشرعية، لأن الأمة قد علمت أن الكتاب والسنة دليلان منيران هاديان لمن اهتدى بهما. وكون الكتاب حجة هو أمر مفروغ منه من أول البعثة، فليس ذكره في هذا الحديث لمجرد بيان أنه حجة، كيف وهو دليل النبوة الأكبر ؟ واعتماده وتلاوته على الأمة لهدايتهم وتعلميهم الدين والأحكام كان من أول البعثة بنحو عشرين سنة، فهو أمر مفروغ منه. ولكن ذكره هنا لامتيازه بأنه محفوظ من الزيادة والنقصان، معلوم للأمة مشهور بينها، منشور لا تبدل كلماته، ولا تكتم آياته، فكان المعتصم به من الضلال معتصما بما هو من عند الله حقا جعله هدى للمتقين ونورا، وكان الطالب للتمسك بالكتاب يتمكن منه ولا يمكن صرفه عنه باختلاق كلام يدعى أنه من القرآن وما هو من الكتاب.

पृष्ठ 156