المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
عمادة البحث العلمي
رقم الإصدار (٧٩)
تحقيق الفوائد الغياثية
تأليف
شمس الدين محمد بن يوسف الكرماني
(المتوفى سنة ٧٨٦ هـ)
تحقيق ودراسة
د. علي بن دخيل الله بن عجيان العوفي
عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة
[الجزء الأول]
अज्ञात पृष्ठ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 2
(ح) الجامعة الإسلامية، ١٤٢٥ هـ
فهرسة مكتبة الْملك فَهد الوطنية أثْنَاء النشر
تَحْقِيق الْفَوَائِد الغياثية لشمس الدِّين الكرمانِي
تَحْقِيق ودراسة: د. عليّ بن دخيل الله بن عجيّان الْعَوْفِيّ - الْمَدِينَة المنوّرة.
٥٧٠ ص، ١٧ × ٢٤ سم
ردمك: ٨ - ٢٢١ - ٠٢ - ٩٩٦٠
١ - ٢ - أ - العنوان
ديوي ٤١٥.٥ ... ٢٦٤٠/ ٢٢
رقم الْإِيدَاع: ٢٦٤٠/ ٢٢
ردمك: ٨ - ٢٢١ - ٠٢ - ٩٩٦٠
جَمِيع حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة
للجامعة الإسلامية بِالْمَدِينَةِ المنوّرة
مكتبة الْعُلُوم وَالْحكم
الْمَدِينَة المنورة - شَارِع السِّتين - ص. ب ٦٨٨
ت: ٨٢٥١٩٤٢ - ٨٢٦٣٣٥٦ - فاكس ٨٢٢٠٦٦٥
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
-[مقدِّمة معالي مدير الجامعة الإسلاميِّة]-
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه، والتّابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين.
أما بعد: فإنّ أشرف ما تتّجه إليه الهمم العَالية هو طلب العلم، والبحث والنّظر فيه، وتنقيح مسائله، وسلوك طريقه، لأنّ ذلك هو الذي يوصل إلى السّعادة، كما قال الرّسول ﷺ: "من سلك طريقًا يلتمس به علمًا سهّل الله له به طريقًا إلى الجنّة".
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر من الآية: ٢٨].
وأوّل ما بدئ به رسول الله ﷺ هو وحي الله إليه بالعلم ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ١ - ٥].
وقال تعالى يخاطبه: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ﴾ [محمد من الآية: ١٩].
وقال تعالى ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه من الآية: ١١٤].
وما قامت به الحياة السّعيدة في الحياة الدّنيا والآخرة إلّا بالعلم النّافع.
ولذا كان التّعليم هو الهدف الأعظم لمؤسّس الملكة العربيّة
अज्ञात पृष्ठ
السّعوديّة الملك عبد العزيز ﵀، ولأبنائه كذلك من بعده، ففي عهد خادم الحرمين الشّريفين، أوّل وزير للمعارف بلغت مسيرة التّعليم مستوى عاليًا، وازدهر التّعليم العالي وارتقت الجامعات، ومن هذه الجامعات العملاقة، الجامعة الإسلاميّة بالمدينة النّبويّة، فهي صرح شامخ، يشرف بأن يكون إحدى المؤسّسات العلميّة والثّقافيّة، التي تعمل على هدي الشّريعة الإسلاميّة، وتقوم بتنفيذ السّياسة التّعليميّة بتوفير التّعليم الجامعيّ والدّراسات العليا، والنّهوض بالبحث العلميّ والقيام بالتّأليف والتّرجمة والنّشر، وخدمة المجتمع في نطاق اختصاصها.
ومن هنا، فعمادة البحث العلميّ بالجامعة تضطلع بنشر البحوث العلميّة، ضمن واجباتها، التي تمثل جانبًا هامًّا من جوانب رسالة الجامعة ألا وهو النّهوض بالبحث العلميّ والقيام بالتّأليف والتّرجمة والنّشر.
ومن ذلك كتاب: [تحقيق الفوائد الغياثيّة]، تأليف:
شمس الدين محمد بن يوسف الكرمانيّ (ت ٧٨٦ هـ) تحقيق ودراسة د. عليّ بن دخيل الله عجيّان العوفي.
نفع الله بذلك ونسأله سبحانه أن يرزقنا العلم النّافع والعمل الصّالح، وصلى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله محمّد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
معالي مدير الجامعة الإسلاميّة
د / صالح بن عبد الله العبود
1 / 6
المقدِّمة
1 / 7
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)﴾ (١) آمين.
والصَّلاةُ والسَّلامُ على أَشْرفِ الأَنبياءِ والمُرْسلِين، وآلهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين، وصَحابتهِ الغُرّ الميَامين، والتَّابعين لهَم بإِحْسَانٍ إلى يومِ الدِّين وبعد؛
فإِنَّ أعظمَ ما اسْتُنفرت له الطاقات، وأُنفِقَت في سَبيله الأَوْقَات، ما امتدَّ نفعُه للمَرءِ من الحياةِ إلى المَمَات، وقَدْ قَال رسولُ الله ﷺ: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطعَ عَنْه عَمَلُهُ إلا مِنْ ثَلاثةٍ: إلا مِنْ صَدَقةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ به، أَوْ وَلَدٍ صَالح يَدْعو له" (٢).
_________
(١) سورة الفاتحة. وآياتُها سبع.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه: (٣/ ١٢٥٥)؛ في كتاب الوصيّة، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته؛ حديث رقم (١٦٣١). واللّفظ له. وأبو داود في سننه: (٣/ ٣٠٠)؛ في كتاب الوصايا، باب ما جاء في الصَّدقة عن الميّت؛ حديث رقم: (٢٨٨٠). والتّرمذيّ في جامعه: (٣/ ٦٦٠) في كتاب الأحكام؛ باب في الوقف؛ حديث رقم (١٣٧٦). والنّسائي في سننه: (٦/ ٢٥١)، في كتاب الوصايا، باب فضل الصّدقة عن الميت؛ حديث رقم (٣٦٥١). والدّارميّ في سننه: (١/ ١٤٩) في المقدّمة؛ باب البلاغ عن رسول الله ﷺ وتعليم السُّنن، حديث رقم (٥٥٩).
1 / 9
وكانَ من نِعَم الله عليَّ أَنْ أَلقى في رُوْعِي -منذُ نعومةِ أَظفاري، وأَنا أَتَلقى تَعْلِيمي الأَوَّليّ في جَنَباتِ هذه الجامعةِ المباركةِ- فَهْمًا صَحِيحًا لحديثِ رسولِ الله ﷺ الآنفِ الذِّكر، ولغيرِه من الأَحَاديثِ الوَاردةِ في فَضْلِ العِلْم. فَأَحْببتُ طريقَه وسلكتُ سُلَّمه، سَائِلًا الله ﷾ فَضْلَه وبركَتَه، ومَا زِلْتُ كذلك؛ أَتقلَّبُ بين مَعَاهدِ الجَامعةِ الإِسْلاميَّةِ وَكُلِّيَّاتِها نَاهِلًا من مَعِينها العَذْبِ الصَّافي حتَّى امتنَّ الله عليَّ بالقبول في مَرْحلةِ العَالمِيَّةِ العَالِيَة "الدُّكْتُوراه".
وكان مِن تَوفيقِ اللهِ وفَضْلِه عليَّ وعلى زُملائي طلبة الدِّراساتِ العُليا في كُلِّيَّةِ اللُّغةِ العربيَّةِ -في تلك السَّنة- أَنْ رَأى القَائِمون على الجَامِعةِ الإسْلاميّة، وعلى رَأْسِهم مَعَالي مُديرِها الحاليِّ، فضيلة الدُّكتور / صالح بن عبدِ الله العُبود -ضرورةَ العودة إلى الإفادة من نظام التّعاقد بتزويدِ قسمِ الدِّراساتِ العُليا بالكُليَّة بعددٍ من الأساتذةِ الفُضلاءِ، والعلماءِ الأَجلّاء؛ ليكونوا عونًا لطلبةِ الدِّراسات العُليا مِنْ جِهة، وليسْهِموا مع زملائِهم السُّعوديين في تَنْمية المعرفةِ الإنْسانِيَّة مِنْ جِهةٍ أُخرى.
وبالفِعْلِ قَيَّضَ الله لي مُلازمةَ أحدِهم، وهو مَنْ هو في العِلْمِ والفَضْل!! فضيلةِ الأستاذِ الدُّكتورِ / عَبْد السَّتَّار حُسَين زَمُّوط؛ حيثُ عُيِّن مُشرْفًا لي.
وما زلتُ أستخيرُ الله، وأستشيرُ مشرفي في موضوع البَحْث، وهو يحبِّبُ إليَّ التَّحقيقَ ويقرّبُنِي منه؛ حتَّى اسْتشعرتُ أهميَّته، وأدركتُ خُطُورتَه، وأنَّه لا يَضْطلعُ به إلا أصحابُ الهممِ العاليةِ والقُدراتِ الفائقة؛ مِمَّن عرفَ لعلماءِ الأُمَّةِ الأسلافِ حقَّهم، وقدَّرهم حقَّ قَدْرِهم. وأَدْركَ تَمَامًا أَنَّ العبثَ بتراثِهم، والتَّسرّعَ في إخْراجِه؛ أشدُّ وبالًا وأَعظمُ
1 / 10
خِزْيًا من بقائِه قَابعًا في مَكانِه؛ عَلى صُورتِه الَّتي تَركها المؤلِّفُ عَليه.
وهكذا ظللتُ أُطالعُ مرشدي -بين الوَقْتِ والآخر- بما تَيسّر لي الوقوفُ عليه؛ من مَخْطُوطاتٍ جَديرةٍ بالتَّحقيقِ -في نظري-، وأعرضُ عليه، وهو لا يَأْلُو جُهدًا في الفَحْصِ والنَّظر، والتَّقصِّى والتَّتبُّع؛ بَل وقراءةِ المَخْطوطِ؛ مع مَا فِيه مِنْ الجُهدِ والمَشَقَّةِ؛ ثم يصدر حُكْمَه المصيبَ لكبد الحقِيقَةِ.
وعندما يَسَّر الله لي الاهْتداءَ إلى كتابِ "تَحْقيقِ الفَوائدِ الغياثيَّة" لشَمس الدِّين الكِرْمَانيِّ وجَدْتُني مع زَميلٍ بَاحثٍ فاضلٍ في قِسْم اللُّغويَّات؛ هو فضيلةُ الدّكتور / ناجي محمدو حين، وكان قَدْ سجَّلَ مَوْضُوعًا يَتعلَّقُ بتحقيقِ كتابٍ لشَمْس الدِّين الكِرْمَانيِّ؛ مكَّنه من الوُقوفِ على عَنَاوين كُتبهِ، فذكرَ ليَ أنَّ لشارح صحيح البخاريّ؛ شمسِ الدِّين الكِرْمَانيِّ مؤلَّفًا في البلاغةِ ودلَّني على بعضِ المَصَادر الَّتي أورَدت خبرَه.
وبعونِ الله وتيسيرِه؛ لَمْ تمضِ أسابيعُ قَلائِل إلا وتصوّرٌ شاملٌ عن الكتابِ ومؤلِّفه تحت سَمْع المشرف وبصره، وإِحدى نُسَخِهِ المجلوبة من خارج المملكةِ بين يَدَيْه، فوافقَ اسْتِحسانُه اسْتِحْسَاني، وفرضتْ قيمةُ الكتابِ العِلميَّة نَفْسها عليَّ وعليه؛ فَلَمْ أجدْ مَناصًا من التَّقدُّم به إلى القسْمِ وتَسْجيله.
وثَمَّت أسبابٌ عدَّة دَفَعتْنِي إلى اخْتيارِ هذا الموضُوع، ويمكنني أَنْ اقسِّمَها إلى قِسْمين:
أولًا: دوافع تَتَعلَّقُ بالباحثِ، منها:
١ - رغْبَتي الملِحَّة -الَّتي أَذْكاها في مشرفي- في المُشَاركةِ في
1 / 11
إحياءِ التُّراثِ العربيِّ والإسلاميِّ؛ بتحقيقِ مخطوطاتِه، وبعثِ نَفائِسه وكنوزه، ولو لَمْ يكن للتّحقيق سوى هذه الميزة لكفت.
٢ - رغبتي الجادَّةِ في الجمع بين التَّأليف والتَّحقيق، واكتساب التَّجربة في كليهما، ولَمَّا كانت أطْروحتِي في (الماجستير) مَوْضُوعًا؛ ناسبَ أن تكونَ في (الدُّكتوراه) تحقيقًا ودراسةً؛ فأجمعُ بذلك بينَ النَّوعين.
٣ - إيمانِي بأن البلاغةَ العربيَّةَ في حاجةٍ ماسَّةٍ إلى تَجْديد، وأَنَّ أَوَّلَ سبلِ تَجْديدِها الرُّجوعُ إلى تُراثِنا البَلاغيِّ واسْتيعابُه، لنبني على أُسسهِ ما نَطمحُ إليه من التَّجديد.
٤ - رَغْبتي في إِشْباع شوقٍ تملَّكني في أَثْناء قِراءتي المخطوطَ لأوّلِ مرةٍ؛ أجد مَكْمنه في عمقِ الفِكرةِ، ودقّةِ المَلْحظِ، وقوَّةِ الحُجَّةِ، وحسنِ العرض.
٥ - رَغْبتي في التَّمكُّنِ والاسْتِيعاب التَّامِّ لجميع المباحثِ البلاغيَّةِ العربيَّةِ، والنَّهلِ من مَعِينها التُّراثيّ الصَّافيَّ.
٦ - رَغْبتي في الإِسْهامِ في إخْراج كتاب مِنْ كُتبِ التُّراثِ العَربيِّ؛ خدمةً للعلم وأهله، وإِثْراءً للمراجِع الأَصْليّة في المكتبةِ العربيَّة.
ثانيًا: دوافع تتعلَّقُ بالمَخْطُوط:
١ - قيمةُ الكتابِ العلميَّةِ فهو متضمِّن لكتابَينِ عَظِيمَين؛ أَحدهما: مختصرِ الإيْجيّ، والآخر: شرح الكِرْمَانيِّ، وكلاهما ذو أَهميَّةٍ بالغةٍ؛ لأَنَّهما يستمدَّان مادَّتَهما من مفتاح العلومِ للسَّكاكيِّ مباشرةً.
هذا؛ وقَدْ تَضَمَّن الكتابُ الشَّارحُ "تحقيقُ الفَوائد" علومَ البلاغةِ الثَّلاثة:
1 / 12
المَعَاني، البَيَان، البَدِيعَ. وتناولَ بالشَّرح التَّفصيليِّ -أَحْيانًا- جميع المباحث البلاغِيَّةِ؛ حيثُ بدأَ بتعريفِ علمِ المعاني وتحدَّثَ عن غَايتِه ثمَّ تحدّثَ عن الخَبرِ، فعرَّفهُ واسْتَطردَ في بيانِ حَقِيقتِه، وخلافِ العلماءِ حولَ صِدْقِه وكذبِه، ثمَّ بَيَّنَ الغرضَ من إلقائِه، وأضْرُبَه، وخروجَه عن مُقْتَضى الظَّاهرِ، وأدواتِ تأكيدِه، ومَا قَدْ يردُ من أغراضٍ فرعيَّة، ثمَّ تحدَّثَ عن بقيَّةِ أحوالِ الإسنادِ، ثُمَّ بَيَّنَ أحوال المُسْندِ إِليه، والمُسْند؛ من حيثُ الحذفُ والذِّكرُ، والتَّقديمُ والتَّأخيرُ، والتَّعريفُ والتَّنكيرُ ... إلخ؛ ذاكرًا الأَسْرارَ البلاغِيَّة الَّتي تَقْتضي كلًّا منها، ثم تحدَّثَ عن أَحْوالِ متعلِّقاتِ الفِعْل من حيثُ التَّقديمُ والتَّأخيرُ، .. إلخ؛ مع بيانِ الأَسْرارِ البَلاغيَّةِ لهذه الأَحوال، ثُمَّ تحدَّث عن القَصْر؛ فعرَّفه، وقسَّمَه باعتبارِ طَرفيه، وباعتبارِ حالِ المُخاطبِ، وبَيَّنَ طُرقَه وأَدَواتِه، ثُمَّ تحدَّثَ عن الفَصْلِ والوَصْل، فعرَّفهما، وبَيَّنَ مواضعهما، ثُمَّ تحدَّث عن الإِيجازِ والإِطْنابِ والمُسَاواةِ، وخَتَم كلامَه بالحديثِ عن الطَّلبِ فَعَرَّفَه، وبيَّنَ أَقْسَامه، وتقسيماتِ كُلِّ قِسْم.
وكذلكَ الحالُ في عِلْمي البيانِ والبديع؛ فقَد تناولَ جميعَ مباحثِ عِلْمِ البيانِ، وبعضَ المُحَسَّناتِ البَديعيَّة؛ المعنويَّة واللفظيَّةِ.
وممَّا يزيدُ في قيمةِ الكتابِ ويرفعُ شأنَه بين الكتبِ البلاغيَّة الأُخرى؛ أَن المؤلِّفَ لَمْ يقتصرْ في عَرْضهِ للمباحثِ البلاغيَّةِ على التَّعريف والتَّقسيمِ والتَّمثيلِ؛ بَلْ إِنَّه لا يَفْتأ تَوضيحًا وتفصيلًا وعرضًا للأدلَّةِ وتَرْجيحًا، مقرِّبًا المعلومةَ من أَقْربِ الطُّرقِ وأيسرِها فإذا مَا تعرَّضَ لمثالٍ يحتاجُ إلى إيضاحٍ شرحَ غامضَه وفكَّ طَلْسَمَه وربما نَسَبه إلى قائِله؛ إِنْ كان له قائلٌ معيَّن، وإذا ما تطرَّقَ لقضيَّةٍ بلاغيَّةٍ تناولهَا البلاغيُّون تحدَّث عنها وذكرَ
1 / 13
مُجْمَلَ ما وردَ فيهَا من آراءٍ وناقَشَها وربَّما رجَّح بينها، وكلُّ ما تقدَّمَ يعرضُه بعقلٍ منظَّمٍ ناضجٍ مؤصَّلٍ تأصيلًا قويًّا بشتَّى أنواعِ العُلُوم، ناهيكَ عن المنهج الواضع الَّذي سارَ عليه المؤلِّفُ في كتابِهِ، حيثُ ضمَّن كتابَه كتابَ شيخِه الإِيجيِّ دون أَنْ يُنقصَ منه حرفًا واحدًا مُلتزمًا في ذلك كُلِّه بخطّةِ الكتابِ المَشْرُوح؛ الَّذي بناهُ صاحبُهُ على أُسسٍ مُحْكَمَةٍ؛ قوامها الفصولُ، ثُمَّ القوانينُ، ثُمَّ الفُنونُ، ثُمَّ الأَنواعُ.
أمَّا الكتابُ المشروحُ "الفوائدُ الغياثيَّة في المعانِي والبَيَان" فقَد تضمَّن تلخيصًا وافيًا للقسمِ الثالث من كتابِ "مفتاح العُلُومِ" للسَّكاكيِّ؛ الَّذي يُعدُّ من أهمِّ الكتبِ البَلاغيَّةِ عند المتأَخِّرين؛ لأَنَّه رأسُ مَدْرَسَتِهِم؛ مِمَّا جعلهُم يعكفُون عليه تَلْخيصًا وشَرْحًا، وظلَّت هذه الشُّروحُ والدِّراساتُ عمدةَ الدَّارسين للبلاغةِ إلى يَوْمِنَا هذا.
وعليه: فإِنَّ كتابَ "الفوائدَ الغياثيَّة" لعضُد الدِّين الإيجيِّ يُوازي كتابَ تخليصِ الخَطيبِ في المَنْزِلَةِ؛ فكلاهُما مختصرٌ للمِفتاح. كمَا أَنَّ "تَحقيقَ الفَوائِد" للكرمانيِّ يُوازي كتابَ الإيضاح للخطيب؛ فكلاهما شرحٌ لمُخْتَصر.
وإذا رأَينا كثرةً من الشُّروح قامتْ على التَّلخيصِ؛ لاحْتِيَاجهِ إلى الإِيضاح والشَّرح حتَّى شَرَحَه صاحبُه نَفْسُه (الخطيبُ القَزْوينيُّ) في كتابه المَشْهُورِ: "الإيضاح"؛ فإن ذلك يُؤكِّد حاجةَ كتاب الإِيجيِّ إلى شرحٍ وإيضاحٍ؛ فجاءَ هذا الكَتابُ موضوعُ التَّحقيقِ والدِّراسةِ محقّقًا لهذا الهدف.
ومن هُنا نَلْمَسُ أهميَّةَ الكتابَيْن؛ المَشْروح والشَّارح.
٢ - تَمَيُّزُ الكِتابين المُتقَدِّمين -الشَّرح والمشروح- بأنَّهما لعَلَمَين
1 / 14
بارِزَين عُرِفا بالثقافة العَميقَةِ والاطِّلاع الواسع مِمَّا أَعْطى للكِتَابين صِبْغةً جَديدةً تُميِّزهما عَنْ غيرِهما من كُتبِ البلاغةِ الأُخْرى.
فصاحبُ الكتابِ المَشْروح هو / عبدُ الرَّحمن بنُ أحمدَ بنِ عبدِ الغفَّارِ الإِيْجيُّ، المُكنَّى بأبي الفَضْل، والملقب بعضدِ الدِّين، قَاضي القُضَاةِ في زَمَنِه، وشَيخ الشَّافعيَّةِ في بلده.
قال عنهُ الأَسْنويّ في طَبقاتِه (١): "كان إمامًا في عُلُومٍ متعدِّدةٍ، مُحقِّقًا مُدقّقًا ذَا تصانِيف مَشْهورةٍ".
وصاحبُ الكتابِ الشَّارح هو / شمسُ الدِّين؛ محمَّد بنُ يوسفَ الكِرْمَانيّ؛ عالِمٌ ذاعَ صيتُه، وطَارَت بشهرتِه الآفاقُ؛ فقد كان أُصُوليًّا فَقِيهًا مُحَدِّثًا، مُفَسِّرًا مُتكلِّمًا، أَدِيبًا نَحْويًّا، بَيَانيًّا. ومن اتَّصف ببعضِ هذهِ الصِّفات فإِنَّ كتابَه -ولا شكَّ- سَيكونُ ذا شأنٍ عظيمٍ؛ لما سَوف يحويهِ من فَرائدَ ونَفَائِس؛ فكيفَ بمن اتَّصفَ بهذِه الصِّفاتِ كُلِّها؟!.
ثُمَّ إِنٌ الكِرْمَاني تتلمذَ على شيخهِ الإيجيِّ ولازمَه مُدَّةً طويلةً، وقَرَأَ عليه جُلَّ كُتُبه؛ ممَّا جَعَلَه من أخصِّ تلاميذِه، وهذَا بِدَورِه يَجْعَله أَدْرى بمُرَادِه، وأَعْلَمَ بكُتُبِهَ، وقَدْ بَدَا ذلك جَلِيًّا مِنْ خِلالِ كتابهِ "تحقيقِ الفوائدِ الغيَاثيَّة" في أَثْناءِ تَعْلِيقهِ على بَعْضِ القَضَايا؛ حيثُ صرَّح في مَواضِعَ مُتفرِّقةٍ بأَنَّ لشيخِه رأيًا حولَ هذهِ القَضيَّةِ لَمْ يذكُرهُ ويحسنُ بالمقامِ ذِكرهُ فيَذْكره.
٣ - كَونُ "تحقيقِ الفوائدِ" من المَخْطوطاتِ النَّادرةِ الْمُهِمّةِ الَّتي لَمْ تُنشرْ وإِخراجُه يُعدُّ خدمةً جَلِيلةً للتُّراثِ العربيِّ، أمَّا "الفوائدُ الغِياثيَّةُ" فإِنَّه -وإِنْ
_________
(١) أي: طبقات الشّافعيّة: (٢/ ٢٣٨).
1 / 15
أُخرِجَ متأَخِّرًا (١) إلا أنَّه لَمْ يَظْهَرْ بالصُّورةِ المرضيَّةِ؛ حيثُ لَمْ يَلْقَ من المُحَقِّقِ العَنَايةَ المَأْمُولَة؛ ناهِيكَ عَنْ اعتمادِه في التَّحقيقِ عَلَى نُسخٍ متَأَخِّرةٍ.
٤ - تَمَيُّز كِتابِ "تحقيقِ الفَوائدِ" بالشُّمُولِيَّةِ وحُسْنِ العَرْضِ في الغالبِ الأَعَمِّ.
_________
(١) أخرجه د. عاشق حسين. ونشرته - دار الكتاب العربيّ؛ القاهرة. ودار الكتاب اللّبنانيّ، بيروت، عام ١٤١٢ هـ - ١٩٩١ م. وسبق أن طبع طبعة قديمة برفقة كتاب شرح الفوائد الغياثيّة لطاش كبرى زاده.
1 / 16
خطة البحث
هَذَا؛ وقَدْ قسَّمتُ موضوعَ الرِّسالةِ إلى قْسِمينِ رئيسين؛ تسبقهُما مُقدِّمةٌ وتَعْقُبُهما الفَهَارسُ الفَنِّيَّة، ورسمتُ الخُطَّةَ على النَّحو الآتي:
١ - المُقدِّمة.
٢ - القسمُ الأَوَّل: قِسمُ الدِّراسة.
ويشتملُ على تمهيدٍ وفَصْلين:
التَّمهيدُ: التَّعريف بالعضدِ الإيجيِّ وكتابِهِ "الفوائد الغياثيَّة"، وفيه مبحثان:
المَبْحثُ الأَوَّل: التَّعريفُ بعضدِ الدِّين الإيجيّ.
المَبْحثُ الثاني: التَّعريفُ بكتابِهِ "الفوائدِ الغياثيَّة".
الفصل الأَوَّل: التَّعريفُ بشمسِ الدِّين الكِرْمَانيِّ، وفيه: تمهيدٌ، وثلاثَةُ مباحثٍ:
التَّمهيدُ: نُبْذَةٌ موجزةٌ عن عَصْر الكِرْمَانيِّ.
المَبْحثُ الأَوَّل: حياةُ الكِرْمَانيِّ، وفيه ثلاثةُ مطالبٍ:
المطلَبُ الأَوَّل: اسمهُ، ونسبهُ، ولقبهُ، وكنيتُه.
المطلَبُ الثاني: مولدهُ، ونشأتهُ، ورحلاتُه.
المطلَبُ الثالث: عقيدتهُ، وأخلاقهُ، وصفاتُه.
المَبْحثُ الثاني: شيوخُه، وتلاميذهُ، ومكانتُه العِلْميَّة، وفيهِ ثلاثَةُ مطالِبٍ:
المطلَبُ الأَوَّل: شيوخُه.
المطلَبُ الثَّاني: تلاميذه.
المطلَبُ الثَّالث: مكانتُه العِلْمِيَّة.
1 / 17
المَبْحثُ الثَّالث: مصنَّفاتُه، ووفاتُه، وفيه مَطلبَان:
المطلَبُ الأَوَّل: مُصنَّفاتُه.
المطلَبُ الثَّاني: وفاتُه.
الفصل الثاني: التَّعريفُ بكتابِ "تَحْقيقِ الفَوائدِ الغِياثيَّةِ"، وفيه أربعةُ مباحثٍ:
المَبْحثُ الأَوَّلُ: اسمُ الكتابِ، وتَوْثِيقُ نِسْبَته للمُؤَلفِ، ومنهجُ المؤلِّفِ فِيه، وفيه ثِلاثةُ مَطَالبٍ:
المطلَبُ الأَوَّلُ: اسمُ الكتابِ.
المطلَبُ الثَّاني: توثيقُ نِسْبَته للمؤلِّف.
المطلَبُ الثَّالث: منهجُ المؤلِّف فيه.
المَبْحثُ الثَّاني: مصادرُ الكتابِ وشواهدُه، وفيه مَطْلبَان:
المطلَبُ الأَوَّل: مصادرُ الكتابِ.
المطلَبُ الثَّاني: شواهدُ الكتابِ.
المَبْحثُ الثَّالث: تَقْويمُ الكتابِ، وفيه مَطْلَبَان:
المطلَبُ الأَوَّلُ: مَزَايا الكتابِ.
المطلَبُ الثَّاني: المآخذُ عليه.
المَبْحثُ الرَّابع: وصفُ مَخْطُوطَاتِ الكتابِ، ومنهجُ التَّحقيقِ، وفيهِ مطْلبَان:
المطلَبُ الأَوَّلُ: وصفُ مَخْطُوطاتِ الكِتاب.
المطلَبُ الثَّاني: منهجُ التَّحقيقِ.
1 / 18
٣ - القِسمُ الثاني: قِسْمُ التَّحقيق.
٤ - الفَهَارسُ الفنِّيَّة.
وبعدُ ... فَهذا خلاصةُ جَهْدي أَضَعُه بينَ يَدَي كلِّ مقوِّمٍ أو مُثَقِّفٍ غيرَ مُسْتنكفٍ من الرُّجوع إلى الصَّوابِ؛ فالنَّقصُ مِنْ طبيعةِ البَشَرِ والكَمَالُ لله وحدَه ولِكتَابِه العَزيزِ؛ الّذي لا يَأْتِيه البَاطلُ مِنْ بينِ يديهِ ولا مِنْ خَلْفِه. وحَسْبِيَ أنَّني اجْتَهدتُ وسَلَكتُ ما اعْتقدْتُ أنَّه صَوابٌ؛ فإِنْ وافَقْتُ الصَّوابَ فذلك فَضْلُ الله وتَوْفِيقُه، وإِنْ كانَت الأُخرى فأَنا محلُّها ولَمْ أبغِ إِليها سَبيلًا.
وأخيرًا: فإِنَّني أحمدُ الله سُبحانَه وأشْكرُه؛ إِذْ وفقنِي لطلبِ العِلْم أَوَّلًا وأَكْرَمني بإنجازِ هَذا البحثِ ثانيًا.
ثُمَّ إِنَّني أتوجَّهُ بالشُّكرِ الجَزيلِ والتَّقدير الوَافِر إِلى مشرفي فضيلةِ الأستاذِ الدُّكتورِ: عبدِ السَّتَّارِ حُسَين زَمُّوط؛ حيثُ تفضَّلَ مَشْكورًا بالإِشْراف على هَذا البحثِ، وتَعَاهده بالرِّعاية الدَّقيقة، والعِنايةِ الفَائقة؛ مُنذُ أَنْ كانَ بذرةً إلى أَنْ خَرج إلى حَيِّزِ الوُجودِ. والحقَّ أقولُ: إِن لتوجِيهاتِه المُفِيدة، وآرائِه السَّديدة، وخبرتِه في مجالِ تَحْقِيق النُّصوصِ اليدَ الطُّولى في إخراجِ هذا البحثِ، ولنْ أنْسَى له -ما حَييتُ- ما غَمَرنِي به مِنْ الرِّعايةِ والاهْتمامِ، وأَوْلانِيه من التَّوجيهِ والنُّصح، وتكرَّم به عليَّ من الجُهدِ والوقت؛ حيثُ فتحَ لي أبوابَ قلبِه قبلَ بيتِه، وعلَّمنِي بإِشْفَاقِه وحِلْمِه خُلُقَ العُلَماءِ قَبْل عِلْمِهم؛ فَجَزاكَ الله عَنِّي -مُشْرفي ومُعَلِّمي- خيرَ الجزاءِ، والله أسألُ أن يُباركَ لكَ في عُمُرك، ويَنْسَأَ لكَ في أَثَرِكَ، ويرزقَكَ العَفْوَ والعافية؛ إِنَّه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.
1 / 19
كما أتوجَّهُ بالشُّكرِ الجزيلِ، والعِرفانِ الوافرِ، لكُلِّ من قدَّم لِي عَوْنًا أَوْ نُصحًا أَوْ توجيهًا مِنْ أساتِذَتي الفُضَلاء وإِخْوتي الزُّملاء، وأَخصُّ منهم بالذِّكر؛ فضيلةَ الدُّكتورِ / عبدِ الخالقِ بن مُسَاعدِ الزَّهرانيِّ، وفضيلةَ الدكتور / تَرَحيبَ بن رُبَيْعَانِ الدَّوسريِّ. فللجَميع مِنِّي خالصُ الشُّكرِ والثَّناءِ. والله أسألُ أَنْ يجزِيهم خيرَ الجَزاء.
ولا يَفُوتني -في الخِتامِ- أَنْ أشكرَ الجامعةَ الإسلاميَّة التي احْتَضَنَتْنِي منذُ الصِّغَر وهَيَّأت لي ولسائرِ طلَّاب العِلْم من جميع أنحاءِ العالمِ سبلَ التَّحصيلِ والمَعْرفةِ.
والحمدُ لله ربِّ العَالمين، وصلاةً وسلامًا على رَسُوله الأَمِين، وعلى آله وصحْبِه والتَّابعين، ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين.
علي بن دخيل الله بن عجيّان العوفيّ
المدينة النَّبويَّة
1 / 20
القسم الأوّل قسم الدِّراسة
ويشتمل على تَمهيدٍ وفصلين:
التَّمهيد:
التعريف بالعضد الإيْجيّ وكتابه
"الفوائد الغياثيّة"
الفصل الأول:
التَّعريف بشمس الدِّين الكرمانيّ.
الفصل الثّانِي:
التَّعريف بكتابه "تَحقيق الفوائد"
1 / 21
التّمهيد: التّعريف بالعضد الإيْجيّ وكتابه "الفوائد الغياثيّة"
وفيه مبحثان:
المبحث الأوّل:
التّعريف بعضد الدّين الإيْجيّ.
المبحث الثّانِي:
التّعريف بكتابه "الفوَائد الغياثيّة"
1 / 23