============================================================
كانت لها فوائد أخرى لم تكن منظورة لمصنفيها، منها أن الاختلاف في تخطئة أو تصويب لفظ أو أسلوب، كان يستدعي مساجلات علمية بين العلماء في دقائق الغة، تركت لنا تراثا بديما حقا. أيضا فإن تلك المؤلفات شحنت - عن غير قصد في الغالب - بمعلومات قيمة حول نشأة وتطور دلالات الألفاظ في العربية، وهو جانب الضعف الواضح في الدراسات اللغوية العربية القديمة. ومن تلك الفوائد ايضا أن تراث لحن العوام وضع أيدينا على ظواهر لغوية قديمة، بعضها باد ولم يعد له وجود، وبعضها اختفى فترة من الزمن ثم عاد إلى الظهور في لهجاتنا العامية مرة اخرى، ولا نستطيع تفسير كثير من الظواهر اللغوية الحديثة إلا بالعودة إلى نظيرتها القديمة.
إنا ننظر بتقدير وإجلال إلى تلك الجهود الكبيرة التي بذلها علماؤنا ولا يزالون، وننظر في الوقت ذاته بأسى إلى من يبخس هذا الفن حقه، ويرى أن تطور اللغة سيل همادر لا يمكن إيقافه، وأنه لا يجدي فيه تصويب ما يلحن فيه العامة، ويدعونا إلى أن نترك اللغة تتفاعل مع مستعمليها دون تصحيح أو إرشاد، حتى لقد تجاوز بعضهم في زماننا هذا ودعا إلى اعتماد اللغات العامية في البلاد العربية كلغات رسمية، ل وضرورة تعديل قواعد اللغة لتتماشى مع ذلك التطور، متذرعين ومتعللين سعن تجاهل أو عن غير علم - ببعض مقولات علم اللغة الحديث، في خلط سمج لأوراق، لا يصدر إلا عن جاهل أو صاحب هوى وغرض و وإذا كنا نعلم يقينا أن اللغة على ألسنة الناس كائن حي، يتطور وينمو، فإننا توقن كذلك بخصوصية هذه اللغة، وبأن التطور فيها له إطار لا يتجاوزه، وفلك لا يتعداه. إن التطور الذي حدث ويحدث في اللغة العربية عبارة عن دورات من مذ ن وجزر، لذا فالتطور الذي يحدث فيها لن يغير من طبيعتها، وإلا فكيف تفسر بقاء الهيكل العام للغة دون تغير يذكر طوال تلك القرون التي نشأت فيها لغات وبادت أخرى؟
ن قول هذا ونحن ندرك طبيعة اللغات البشرية، وأن وجود العاميات بجانب
पृष्ठ 8