ثم أمر تعالى بحمده، فقال: الحمد لله يعني الوصف الجميل، والشكر على النعم كلها لله تعالى، والألف واللام للجنس، يعني كل الحمد لله؛ لأن النعم كلها منه: (رب العالمين) قيل: سيد الخلق ومالكهم، وقيل: منشئهم ومربيهم. (الرحمن): المنعم بنعم الدنيا والدين. الرحيم: واسع الرحمة، كأنه قيل: الأوصاف الجميلة والثناء الحسن كلها للذي يحق له العبادة؛ لكونه قادرا على أصول النعم، وفاعلا لها، ولكونه منشئا للخلق، ومالكا لهم، رحيما بهم.
ومتى قيل: لم أعاد ذكر الرحمن الرحيم؟
قلنا: قيل: لأن الأول ليس من السورة، وقيل: الأول للاستعانة، والثاني ليجعل الحمد كله له، وقيل: للمبالغة، وقيل: في الأول ذكر العبودية، ووصله بذكر النعم التي يستحق بها العبادة، وههنا ذكر الحمد، فذكر ما به يستحق الحمد من النعم، وليس فيه تكرار، عن علي بن عيسى.
* * *
(الأحكام)
الآية تدل على وجوب الحمد لله، والشكر على نعمه، وفيه تعليم منه لعباده كيف يحمدونه.
ومتى قيل: كيف يؤدي شكر نعمه، وهو بأدائه يتجدد عليه نعم لا تحصى من إعطائه القدرة، والآلة، والحياة، والعقل، والهداية؟
قلنا: إذا أتى بما في وسعه فقد أدى حق الشكر، ولأن شكره يتناول النعم الماضية والآتية، ولأنه يعلم النعم على الجملة فيلزمه الشكر كذلك.
فإن قيل: فما الشكر؟
قلنا: يكون بالقول، وبغير القول، ولذلك قال تعالى: (اعملوا آل داوود شكرا)
فبالقول إظهار النعمة، وبالقول يعظم المنعم، وبالفعل طاعة المنعم.
ومتى قيل: فهل غير الله يشكر؟
قلنا: نعم؛ لأنه منعم، ومنه، قوله تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك) إلا أن شيئا من ذلك لا يكون إلا بنعمته تعالى من حيث إنه الخالق والمالك، وهو الذي
पृष्ठ 207