तहधीब फी तफ़सीर

हाकिम जुशामी d. 494 AH
159

لما عم تعالى الخلق بالحجج على توحيده، وذكرهم نعمته عليهم بآدم وغيره، خص بني إسرائيل بالحجج، ذكرهم بما أسدى إليهم وإلى آبائهم من النعم، فقال: يا بني إسرائيل يعني يا بني يعقوب، نسبهم إلى الأب الأعلى، كما قال: يا بني آدم والمخاطب بهذا قيل: أحبار اليهود الذين كانوا حول المدينة، عن ابن عباس وأكثر أهل العلم، وقيل: جميع اليهود والنصارى، عن أبي علي، (اذكروا نعمتي) أراد به النعم التي خصهم بها، وأراد الجنس وإن ذكر بلفظ الواحد كقوله تعالى: (وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها) وأراد النعم، وقيل : أراد بهذه النعم ما أنعم به على أسلافهم من الرسل والكتب وأنجاهم من الغرق ومن فرعون وغير ذلك، ومثل هذا جائز يقال: فعلنا بكم كذا ويريد الأسلاف، والعرب تقول: نحن الذين أعز الله بنا الإسلام، وقيل: أراد النعم الواصلة إليهم نحو تبقية آبائهم حتى تناسلوا، وخلقهم لينفعهم ويمكنهم بالآلات والقدرة والهداية من الاستدلال على توحيده وحياتهم وحواسهم السليمة وما يوصل إليهم حالا بعد حال من الرزق، ويدفع عنهم من المكاره وما يسبغ عليهم من نعم الدين والدنيا وأوفوا بعهدي قيل: ما أمرتكم به من طاعتي ونهيتكم عن معصيتي في النبي - صلى الله عليه وسلم - أوف بعهدكم أدخلكم الجنة، عن ابن عباس، وسمى ذلك عهدا؛ لأنه تقدم به إليهم في الكتب السالفة، وقيل: هو ما عهد إليهم في سورة المائدة في قوله: (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا) الآية إلى آخرها، عن قتادة، وقيل: هو جميع الأوامر والنواهي، وقيل: هو ما عهد إليهم في التوراة والإنجيل في أمر رسول الله فكتموه.

ومتى قيل: لم خصهم بتذكير العهد وغيرهم بمنزلتهم في لزوم الوفاء بالعهد؟

قلنا: لأن الإيمان بنبينا كان من تكليفهم، وبيان صفته ونعته مذكور في كتبهم فكتم علماؤهم ذلك عن عوامهم، ويجوز العناد على نفر يسير لحب الرياسة أو لغرض من الأغراض أوف بعهدكم قيل: أغفر لكم وأدخلكم الجنة إن آمنتم بمحمد كما أمرتكم، وذلك عهدي معكم في كتابكم، وقيل: سمي الجزاء على الوفاء بالعهد وفاء، كقولهم: الجزاء بالجزاء.

ومتى قيل: العهد هو اللزوم فكيف يلزمه تعالى الثواب، وما سببه؟

قلنا: سبب الثواب التكليف؛ لأنه لولا الثواب لما حسن التكليف، فإذا كلفهم ضمن الثواب لهم، فحل محل العهد الذي يجب الوفاء به.

पृष्ठ 350