قيل له : لا يحل له أن يتوضأ به إذا كان أمره فيه كذلك ، لأن الله سبحانه حرم عليه أن يوصل إلى نفسه هلكة متلفة ما كانت من المهالك ، ووعد عليه النار إن هو فعله عدوانا وظلما ، فحكم به عليه لنفسه حكما حتما ، فقال سبحانه : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما (29) ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا ) (30) [النساء : 29 30]. وعليه أن يتيمم كما قال الله سبحانه : ( صعيدا طيبا ) فيمسح منه بوجهه ويديه ، وكذلك من خاف على نفسه دون الماء سلطانا أو لصوصا أو سبعا أو كرارا كان التيمم واجبا عليه ، وكان حراما في ذلك كله من ابتلي به أن يعرض نفسه في شيء منها تلفا ، أو يجشمها في تعريضه والطلب له هلكة أو حتفا.
ومن وجد مع غيره. شيئا من الماء فطلب شراه فلم يعطه إلا بغلاء وهو لثمنه واجد كان عليه أن يشتريه ، لأنه واجد له بما وجد من الثمن واجبة فريضة الله عليه فيه ، كقول الله سبحانه : ( فلم تجدوا ماء ) ومن حضرته الأشياء فوجد لها وإن غلت ما يشتريها به من الأثمان ، فهو لها واجد غير شك فيما يعرف من معلوم اللسان ، إلا أن يكون ذلك يحل بماله اجحافا ، أوله في بدي (1) ما معه من طعام أو مثله (2) إتلافا ، فلا يكون له الاتلاف والاجحاف بنفسه في ذلك ، لأنه يعود في تلك لو فعلها بنفسه إلى ما نهي لها عنه من القتل والمهالك ، وإلى ما لم يرده الله تبارك وتعالى له من الحرج والعسر ، وإلى خلاف ما أراد الله سبحانه بعباده من التخفيف واليسر ، قال الله سبحانه : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) [البقرة : 185] ، وقال في آية الوضوء نفسها : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ) [المائدة : 6].
وقال سبحانه فيما فرض على الأموال من النفقات ، وما حدد من ذلك تحديدا من أحكامه المفصلات : ( ويسئلونك ما ذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات ) [البقرة : 219]. والعفو من الأموال كلها ، فهو ما لم يكن فيه الإجحاف بها ، وليس قول من قال : لا يشتريه إذا غلا ، قولا يجد له من أنصف أصلا. ألا ترى أنه
पृष्ठ 513