﴿سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ (٦) ختم الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم وعَلى أَبْصَارهم غشاوة وَلَهُم عَذَاب عَظِيم (٧)﴾
فَكفر الْإِنْكَار هُوَ أَن لَا يعرف الله أصلا، أَو لَا يعْتَرف بِهِ.
وَكفر الْجحْد: هُوَ أَن يعرف الله تَعَالَى، وَلَكِن يجحده، ككفر إِبْلِيس.
وَكفر العناد: هُوَ أَن يعرف الله تَعَالَى بِقَلْبِه، ويعترف بِلِسَانِهِ، وَلَكِن لَا يتدين بِهِ وَلَا يَتَّخِذهُ دينا، ككفر أبي طَالب؛ فَإِنَّهُ عرف الله وَرَسُوله بِقَلْبِه وَأقر بِلِسَانِهِ حَتَّى قَالَ:
(وَلَقَد علمت بِأَن دين مُحَمَّد ... من خير أَدْيَان الْبَريَّة دينا)
(لَوْلَا الْمَلَامَة أَو حذار مسَبَّة ... لَوَجَدْتنِي سَمحا بِذَاكَ مُبينًا)
وَأما كفر النِّفَاق: أَن يعْتَرف بِاللِّسَانِ وَلَا يعْتَقد بِالْقَلْبِ؛ فَهَذِهِ أَنْوَاع الْكفْر؛ فَمن لقى الله تَعَالَى بِنَوْع مِنْهَا لم يعف.
قَوْله تَعَالَى: ﴿سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ﴾
﴿سَوَاء عَلَيْهِم﴾ أَي: مستو عَلَيْهِم. (أأنذرتهم أم لم تنذرهم) أَي: خوفتهم أم لم تخوفهم. والإنذار: تخويف مَعَ الْإِعْلَام.
وَقيل: هُوَ أَشد التخويف. يَعْنِي: سَوَاء خوفتهم أم لم تخوفهم لَا يُؤمنُونَ. وَردت هَذِه الْآيَة فِي قوم بأعيانهم علم الله تَعَالَى أَنهم لَا يُؤمنُونَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ختم الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم﴾
ذكر فِي الْآيَة الأولى أَنهم لَا يُؤمنُونَ، وَذكر فِي هَذِه الْآيَة علته، فَقَالَ: ﴿ختم الله على قُلُوبهم﴾ والختم: هُوَ الطَّبْع، وَحَقِيقَته: الاستيثاق من الشَّيْء؛ كَيْلا يدْخلهُ مَا هُوَ خَارج مِنْهُ، وَلَا يخرج عَنهُ مَا هُوَ دَاخل فِيهِ، وَمِنْه الْخَتْم على الْبَاب.
فَقَوله: ﴿ختم الله على قُلُوبهم﴾ ذكر ابْن كيسَان أقوالا فِي مَعْنَاهُ: أَحدهَا: أَي: جازاهم على كفرهم بِأَن أختم على قُلُوبهم.