الله تقل أو تكثر ، بصائر جمة بمن الله لمن يعقل ويبصر ، فليس في شيء من كلام الله جل ثناؤه نقص ولا فضول ، ولا يشبه قول الله في الحكمة والبيان من أقوال القائلين قول ، فقال سبحانه : ( اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5)) ، من كل ما علمه ببصر أو سمع أو فؤاد ، وما كان مرضيا أو مسخطا لله من غي أو رشاد ، كما قال سبحانه : ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون (78)) [النحل : 78] ، فبما جعل الله لهم من الأفئدة يعقلون ويتفكرون ، وبما سلم من السمع والبصر يسمعون ويبصرون ، فتبارك الله أحسن الخالقين خلقا ، وأوسع الرازقين في العلم وغيره رزقا.
فهو المعلم سبحانه بالقلم ، وبغيره من وجوه العلم ، التي ليست بخط ولا كتاب ، من كل ما يعلمه أولو الألباب ، ما يعلمه أيضا سواهم ، ممن لم يبلغ في العلم مداهم ، وإن لم يكتب ، وكان جاهلا بالكتب ، مما يعلمه من صناعة ، أو بحرف أو بياعة ، فالله معلمه ومفهمه ، من ذلك أو يعلمه ، فلو لا قول الله سبحانه لم يظفر أبدا من علمه بما علم ، ولم يفهم منه وفيه من يعلم ما فهم ، وكذلك كل ملهم من طفل صغير ، وكلما سوى ذلك من البهائم والطير ، من ألهم علما في تغذي ، أو محاذرة لضر أو توقي ، فالله عز وجل ملهمه معرفته ، وتوقيه ومحاذرته.
وتأويل قوله سبحانه : ( ربك الأكرم )، فهو : ما بان به الله من الجود والكرم ، فيما وصل به إليه من النعم ، من مواهبه في العلم وغير العلم ، وقد علم الله رسوله عليه السلام من شرائعه ودينه ، وإن لم يكتب بقلم أو بخط كتابا بيمينه ، ما جعله الله به فله الحمد إماما لكل إمام ، كان معه في حياته وبعد وفاته من الكتبة والعلام ، فكان بمن الله لكلهم إماما ومعلما ، وعلى جميعهم في العلم والحكمة مقدما ، وفي ذلك وبيانه ، ما يقول الله سبحانه في فرقانه (1): ( وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون (48)) [العنكبوت : 48] ، فكفى بهذا والحمد لله بيانا وبرهانا لقوم يعقلون.
पृष्ठ 105