غير حديد ولا حجر ولا شجر ، ولا أصل لها قبلها مفتطر ، كما نراه من هذه النار ، التي جعل أصلها من الحجر والأشجار ، كما قال سبحانه : ( أفرأيتم النار التي تورون (71) أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشؤن (72)) [الواقعة : 71 72].
ولو كانت نار الآخرة كهذه النار ، لكان وقودها بما توقد هذه النار من أشجار ، ولكن الله عز وجل جعل أصلها ، حجارتها التي فيها وأهلها ، فتوقدت واستعرت لذلك بهم ، كما يوقد أهل هذه النار نارهم بحطبهم ، فأهلها حطبها ، كما هم حصبها ، كما قال الله سبحانه : ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون (98)) [الأنبياء : 98] ، فأهل جهنم بخلودها ، ودوام وقودها ، فيها خالدون ، لا يفنون أبدا ولا يبيدون ، كما يعود الحطب رمادا خامدا ، ورفاتا جامدا ، كذلك تعود جلود أهل النار نار الآخرة رفاتا ، وشيئا هامدا باليا مائتا ، فيجدد الله ذلك بعد بلائه وتهافته تجديدا ؛ ليخلد الله بالتجديد له أهل النار فيها تخليدا ، كما قال سبحانه : ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما (56)) [النساء : 52] ، فنار الآخرة أبدا بحجارتها وأهلها موقدة ، وحجارتها وجلود أهلها كلما بليت فمعادة ، تقدير من عزيز حكيم ، لبقاء عذاب الجحيم.
وتأويل قوله : ( تطلع على الأفئدة )، فهو : ما يصل إلى قلوب أهلها من الكرب والشدة ، وتأويل ( إنها عليهم مؤصدة )، فهو : مطبقة مغلقة ، وإغلاق جهنم فهو ما ذكر الله عز وجل من أبوابها ، والإيصاد للأبواب الذي هو التغليق عليهم فهو من شدة عذابها ، وما ذكر الله من الإطباق والغلق : فهو أكبر الغم والألم والحرق ، كما قال سبحانه : ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون (20)) [السجدة : 20].
وتأويل ( في عمد ممددة )، بعد ذكره تبارك وتعالى المؤصدة ، فهو : ما يغلق به أبواب جهنم المؤصدة المطبقة ، في عمد معروضة على أبوابها ممددة ، كالمهاج والأوصاد التي تجعل على الأبواب المغلقة ، ونحو ذلك من الأغلاق ، والغلق : فأوثق ما يغلق به كل مغلق أراد إغلاق الباب ، وذلك أنه يأخذ ما في طرفي المغلق كله ، وليس يأخذ ذلك من الإغلاق كلها غلق ، وإنما يغلق كل غلق من الأبواب ما يغلق ، إن كان قفلا ، فإنما يغلق
पृष्ठ 88