[يونس: 15]. ما كان حجتهم إلا أن قالوا: والقاعدة النحوية أنه إذا اجتمع قسم وشرط كان الجواب للسابق منهما إذا لم يتقدمهما ذو خبر.
{ إني أريد أن تبوء } الآية، المعنى أن قتلتني وسبق بذلك قدر فاختياري أن أكون مظلوما ينتصر الله لي في الآخرة. { فطوعت له نفسه } وهو فعل من التطوع وهو الانقياد كأن القتل كان ممتنعا عليه متعاصيا وأصله طاع له قتل أخيه أي انقاد إليه وسهل ثم عدى بالتضعيف فصار الفاعل مفعولا والمعنى أن القتل في نفسه مستصعب عظيم على النفوس فردته هذه النفس اللجوج الأمارة بالسوء طائعا منقادا حتى أوقعه صاحب هذه النفس. وقرىء فطاوعت يكون فاعل فيه للاشتراك نحو ضاربت زيدا. قال الزمخشري: فيه وجهان، أن يكون مما جاء على فاعل بمعنى فعل، وأن يراد أن قتل أخيه كأنه دعا نفسه إلى الاقدام عليه فطاوعته ولم تمتنع وله لزيادة الربط كقولك حفظت لزيد ماله. " انتهى ".
أما الوجه الثاني: فهو موافق لما ذكرناه، وأما الوجه الأول فقد ذكر سيبويه ضاعفت وضعفت مثل ناعمت ونعمت وقال: فجاؤا به على مثال عاقبته. قال: وقد يجيء فاعلت لا يراد بها عمل اثنين ولكنهم بنوا عليه الفعل كما بنوه على أفعلت وذكر أمثلة منها عافاه الله وهذا المعنى وهو أن فاعل بمعنى فعل أغفله بعض المصنفين. من أصحابنا في التصريف كابن عصفور وابن مالك وناهيك بهما جمعا وإطلاعا فلم يذكر أن فاعل يجيء بمعنى فعل ولا فعل بمعنى فاعل وقوله: وله لزيادة الربط يعني في قوله: فطوعت له، يعني أنه لو جاء فطوعت نفسه قتل أخيه لكان كلاما تاما جاريا على كلام العرب وإنما جيء به على سبيل زيادة الربط للكلام إذ الربط يحصل بدونه كما أنك لو قلت: حفظت مال زيد، كان كلاما تاما، فأصبح بمعنى صار.
[5.31-34]
{ فبعث الله غرابا } روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أول قتيل قتل على وجه الأرض ولما قتله تركه بالعراء لا يدري ما يصنع به فخاف عليه.
{ فبعث الله غرابا } والغراب طائر معروف ويجمع في القلة على أغربه، وفي الكثرة على غربان، قيل: وهو مشتق من الاغتراب وتتشاءم به العرب. قال الشاعر:
جرى بفراق العامرية غدوة
سواج سود ما تعيد وما تبدى
يعني الغربان: وظاهر الآية، أن الله تعالى بعث غرابا يبحث في الأرض فروي أنهما غرابان قتل أحدهما الآخر فحفر له بمنقاره ورجليه حفرة وألقاه فيها والبحث في الأرض نبش التراب وإثارته. { ليريه } متعلق بقوله: بعث، والمواراة: الستر، والضمير الفاعل في ليريه عائد على الغراب ويجوز أن يكون عائدا على المصدر المفهوم من قوله: يبحث، أي ليريه البحث، وكيف منصوب بقوله: يواري، والجملة استفهامية في موضع مفعول ثان لقوله ليريه بمعنى ليعلمه. والسوءة: العورة.
{ قال ياويلتا أعجزت } الآية، استقصر إدراكه وعقله في جهله ما يصنع بأخيه حتى تعلم وهو ذو العقل المركب فيه الفكر والروية والتدبير من طائر لا يعقل ومعنى هذا الاستفهام الإنكار على نفسه والنفي أي لا أعجز عن كوني مثل هذا الغراب وفي ذلك هضم لنفسه واستصغار لها بقوله: مثل هذا الغراب وأصل النداء أن يكون لمن يعقل ثم قد ينادي ما لا يعقل على سبيل المجاز كقولهم: يا عجبا ويا حسرة، والمراد بذلك التعجب، كأنه قال: انظروا لهذا العجب ولهذه الحسرة، والمعنى تنبهوا لهذه الهلكة وتأويله هذا أو انك فاحضري وقراءة الجمهور يا ويلتا بألف هي منقلبة عن الياء كما قالوا في يا غلامي يا غلاما، وقرىء يا ويلتي على أصل ياء المتكلم، وقرىء أعجزت بفتح الجيم وهي اللغة الفصيحة وبكسرها وهي قراءة شاذة، والعجز عن الشيء انتفاء القدرة عليه.
अज्ञात पृष्ठ