{ إن الله لا يغفر أن يشرك به } الآية، تقدم تفسيرها إلا أن آخر ما تقدم فقد افترى إثما عظيما، وآخر هذه فقد ضل ضلالا بعيدا، ختمت كل آية بما يناسبها فتلك كانت في أهل الكتاب وهم مطلعون من كتبهم على ما لا يشكون في صحته من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ووجوب اتباع شريعته ونسخها جميع الشرائع ومع ذلك فقد أشركوا بالله مع أن عندهم ما يدل على توحيد الله والإيمان بما نزل فصار ذلك افتراء واختلافا مبالغا في العظم والجرأة على الله وهذه الآية في ناس مشركين ليسوا بأهل كتب ولا علوم ومع ذلك فقد جاءهم الهدى من الله وبأن لهم طريق الرشد فأشركوا بالله فضلوا بذلك ضلالا يستبعد وقوعه أو يبعد عن الصواب ولذلك جاء بعده أن يدعون من دونه إلا إناثا وجاء بعد تلك ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم.
وقوله:
انظر كيف يفترون على الله الكذب
[النساء: 50] ولم يختلف أحد من المتأولين في أن المراد بهم اليهود وإن كان اللفظ عاما. ولما كان الشرك أعظم الكبائر كان الضلال الناشىء عنه بعيدا عن الصواب لأن غيره من المعاصي وإن كان ضلالا لكنه قريب من أن يراجع صاحبه الحق لأن له رأس مال يرجع إليه وهو التوحيد ، بخلاف المشرك، ولذلك قال تعالى:
يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد
[الحج: 12]. وناسب هنا أيضا ذكر الضلال لتقدم الهدى قبله.
[4.117-121]
{ إن يدعون من دونه إلا إنثا } المعنى ما يعيدون من دون الله ويتخذونه إليها إلا مسميات تسمية الإناث وكني بالدعاء عن العبادة لأن من عبد شيئا دعاه عند حوائجه ومصالحه وكانوا يحلون الأصنام بأنواع الحلى ويسمونها أنثى وإناث جمع أنثى كرباب جمع ربي وان نافية ويدعون يحتاج إلى مفعول وهو محذوف تقديره ما يدعون من دونه أي من دون الله أحدا إلا إناثا فإناثا مفعول بيدعون وهو استثناء مفرغ ونكر شيطانا مريدا تحقيرا لشأنه ومريدا فعيل للمبالغة في اسم الفاعل الذي هو ما رد من مرد أي عتا وعلا في الحذاقة وتجرد للشر والغواية والمراد به إبليس يدل عليه ما قاله بعد.
{ نصيبا مفروضا } أي نصيبا واجبا اقتطعه لنفسه من قولهم فرض الله له في العطاء، والمعنى لاستخلصنهم بغوايتي ولأحضنهم بإضلالي وهم الكفرة والعصاة هذه خمسة أقسم إبليس عليها أحدها اتحاذ نصيب من عبادة الله وهو اختياره إياهم. والثاني: إخلالهم وهو صرفهم عن الهداية وأسبابها. والثالث: تمنيته لهم وهو التسويل ولا ينحصر في نوع واحد لأنه تمني كل إنسان بما يناسب حاله من طول عمر وبلوغ وطر وغير ذلك وهي كلها أماني كواذب باطلة.
{ فليبتكن آذان } البتك: الشق، والقطع بتك بيتك وبتك للتكثير، والبتك القطع واحدها بتكة. قال الشاعر:
अज्ञात पृष्ठ