{ عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } الظاهر فعل ذلك وأنه يقع منهم عض الأنامل لشدة الغيظ مع عدم القدرة على إنفاذ ما يريدون ويحتمل أن لا يكون بمعنى الأنامل ويكون ذلك من مجاز التمثيل خبر بذلك عن شدة الغيظ والتأسف على ما يفوتهم من إذايتكم.
{ قل موتوا بغيظكم } ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يواجههم بهذا الأمر على سبيل الدعاء والمباينة لهم والباء في بغيظكم للحال أي ملتبسين بغيظكم.
{ إن تمسسكم حسنة تسؤهم } ذكر تعالى المس في الحسنة ليبين ان بأدنى مس الحسنة تقع المساءة بنفوس هؤلاء المبغضين ثم عادل ذلك في السيئة بلفظ الإصابة وهي عبارة عن التمكن لأن الشيء المصبب شيئا هو متمكن منه أو فيه فدل هذا النوع البليغ على شدة العداوة إذ هو حقد لا يذهب عنه الشدائد بل يفرحون بنزول الشدائد بالمؤمنين وقابل الحسنة بالسيئة بالفرح وهي مقابلة بديعة وقرىء: لا يضركم من ضار يضير وقرىء: بضم الضاد والراء مرفوعة مشدودة من ضر يضر وخرج على أن حركة الراء حركة اتباع لحركة الضاد وقيل هي حركة إعراب وذلك على أن البنية التقديم لا على أنه جواب الشرط وهذا ضعيف والذي نختاره أنه أجرى حركة الكاف بجري حركة الهاء فضم ما قبل الكاف، كما قالت العرب: لم يرده وهذا توجيه شذوذ في هذه القراءة، وقرأ الضحاك لا يضركم كيدهم بضم الضاد وكسر الراء المشددة على أضل التقاء الساكنين، قال ابن عطية: فأما الكسر يعني في الراء فلا أعرفه قراءة وعبارة الزجاج في ذلك وتجوز فيها إذ يظهر من درج كلامه أنها قراءة، " انتهى ". وهي قراءة كما ذكرنا عن الضحاك.
[3.121-125]
{ وإذ غدوت من أهلك } الآية مناسبتها لما قبلها، أنه لما نهاهم عن اتخاذ بطانة من الكفار ووعدهم أنهم إن صبروا واتقوا فلا يضرهم كيدهم ذكرهم بحالة اتفق فيها بعض طواعية واتباع لبعض المنافقين وهو ما جرى يوم أحد لعبد الله بن أبي سلول حين انخذل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعه في الانخذال ثلاثمائة رجل من منافق وغيرهم من المؤمنين، وان ذلك كله كان في غزوة أحد وفيها نزلت هذه الآية كلها، ومعنى غزوة خروجه من عند أهله وفسر ذلك بخروجه من حجرة عائشة رضي الله عنها يوم الجمعة غدوة.
{ مقاعد للقتال } أي مواطن للقتال وعبر بالقعود لأنه الدال على الثبوت للشيء، قال الزمخشري وقد اتسع في قعد وقام حتى أجريا مجرى صار، " انتهى ".
أما إجراء قعد مجرى صار، فقال: أصحابنا إنما صار في لفظة واحدة وهي شاذة لا تتعدى وهي في قولهم: شحذ شفرته حتى قعدت كأنها حربة أي صارت وقد نقد على الزمخشري تخريج قوله تعالى: { فتقعد } ملوما على أن معناه فتصير لأن ذلك عند النحويين لا يطرد وفي اليواقيت لأبي عمر الزاهي، قال ابن الأعرابي: القعد الصيرورة والعرب تقول: قعد فلان أميرا بعدما كان مأمورا أي صار وأما إجراء قام مجرى صار فلا أعلم أحدا عدها في أخوات كان ولا ذكر أنها تأتي بمعنى صار ولا ذكر لها خبرا إلا أبا عبد الله بن هشام الخضراوي فإنه قال في قول الشاعر:
على ما قام يشتمني لئيم
انها من أفعال المقاربة قال الزمخشري: أو عمل فيه بمعنى سميع عليم، " انتهى ". يعني في إذ همت وهذا غير محرر لأن العامل لا يكون مركبا من وصفين فتحريره أن يقول أو عمل فيه معنى سميع أو عليم وتكون المسألة من باب التنازع وجواز أن يكون معمولا لتبوىء ولغدوت.
{ إذ همت طآئفتان منكم أن تفشلا } الطائفتان بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، وهما الجناحان، قاله ابن عباس: وكان خروجه عليه السلام في ألف، والمشركون في ثلاثة آلاف، فانخذل عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الناس.
अज्ञात पृष्ठ