إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة} أي لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيي أن يتمثل بها لحقارتها، وضرب المثل صنعه، من ضرب اللبن وضرب الخاتم. {فما فوقها} فما تجاوزها، {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه} المثل {الحق}، الحق: الثابت الذي لا يسوغ إنكاره ولا بطلانه ولا ذهابه، وهو من الحقيقة التي هي ضد الظاهر الوهمي، وضده الباطل الذاهب الزاهق الممتحق، يقال: حق الأمر إذا ثبت، {من ربهم. وأما الذين كفروا فيقولون ماذا} أي شيء؟ {أراد الله بهذا مثلا} (¬1) [10] إنكار (¬2) منهم لذلك. {يضل به} بالمثل {كثيرا} من الضالين، أو إضلالا كثيرا، {ويهدي به كثيرا} بيان أن المؤمنين الذين عادتهم الإنصاف والنظر في الأمور بناظر العقل، إذا سمعوا بهذا التمثيل علموا أنه الحق، وأن الكفار الذين غلبهم الجهل، والهوى على عقولهم، كابروا وعاندوا وقضوا عليه بالبطلان، وقابلوه بالإنكار، وأن ذلك سبب هدى المؤمنين وضلال الكافرين الفاسقين؛ والعجب منهم كيف أنكروا ذلك. وما زال الناس يضربون الأمثال بالبهائم والطيور وأجناس الأرض، فقالوا: «أجمع من ذره»، و«وأجرء من الذباب»، و«أسمع من قراد» (¬3) ، و«أضعف من فراشة»، و«آكل من السوس»، و«أضعف من بعوضة»، و«أعز من مخ البعوض» (¬4) ؛ ولكن ديدن المحجوج والمبهوت (¬5) أن يرضى لفرط الحيرة بدفع الواضح، وإنكار اللائح. {
¬__________
(¬1) - ... في الحاشية السفلية من المخطوط عبارة بخط الناسخ: «قالوا: دمعت فقلت». ولا محل لها من النص.
(¬2) - ... كذا في الأصل، والصواب: «إنكارا»، لأنه حال.
(¬3) - ... قال في المنجد: «قيل: إنه يسمع أخفاف الإبل من مسيرة يوم فيتحرك». ص 992.
(¬4) - ... قال في المنجد: «يضرب فيها لما يندر وجوده أو لا يكون». ص 1000.
(¬5) - ... في الأصل: «ولمبهوت»، وهو خطأ.
पृष्ठ 31