तफ़सीर मीज़ान
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
शैलियों
الشفاعة على ما نعرف من معناها إجمالا بالقريحة المكتسبة من الاجتماع والتعاون وهي من الشفع مقابل الوتر كأن الشفيع ينضم إلى الوسيلة الناقصة التي مع المستشفع فيصير به زوجا بعد ما كان فردا فيقوى على نيل ما يريده، لو لم يكن يناله وحده لنقص وسيلته وضعفها وقصورها من الأمور التي نستعلمها لإنجاح المقاصد، ونستعين بها على حوائج الحياة، وجل الموارد التي نستعملها فيها إما مورد يقصد فيها جلب المنفعة والخير، وإما مورد يطلب فيها دفع المضرة والشر، لكن لا كل نفع وضرر، فإنا لا نستشفع فيما يتضمنه الأسباب الطبيعية والحوادث الكونية من الخير والشر، والنفع والضر، كالجوع، والعطش، والحر، والبرد، والصحة، والمرض، بل نتسبب فيها بالأسباب الطبيعية، ونتوسل إليها بوسائلها المناسبة لها كالأكل، والشرب، واللبس والاكتنان والمداواة، وإنما نستشفع في الخيرات والشرور والمنافع والمضار التي تستدعيها أو تستتبعها أوضاع القوانين والأحكام التي وضعتها واعتبرتها وقررتها وأجرتها حكومة الاجتماع بنحو الخصوص أو العموم، ففي دائرة المولوية والعبودية، وعند كل حاكم ومحكوم، وأحكام من الأمر والنهي إذا عمل بها وامتثلها المكلف بها استتبع ذلك تبعة الثواب من مدح أو نفع، من جاه أو مال، وإذا خالفها وتمرد منها استتبع ذلك تبعة العقاب من ذم أو ضرر مادي، أو معنوي، فإذا أمر المولى أو نهى عبده، أو كل من هو تحت سيادته وحكومته بأمر أو نهي مثلا فامتثله كان له بذلك أجر كريم، وإن خالف كان له عقاب أو عذاب فهناك نوعان من الوضع والاعتبار، وضع الحكم ووضع تبعة الحكم، يتعين به تبعة الموافقة والمخالفة.
وعلى هذا الأصل تدور جميع الحكومات العامة بين الملل والخاصة بين كل إنسان ومن دونه.
فإذا أراد الإنسان أن ينال كمالا وخيرا ماديا أو معنويا وليس عنده ما يستوجب ذلك بحسب ما يعينه الاجتماع، ويعرف به لياقته، أو أراد أن يدفع عن نفسه شرا متوجها إليه من عقاب المخالفة وليس عنده ما يدفعه، أعني الامتثال والخروج عن عهدة التكليف، وبعبارة واضحة إذا أراد نيل ثواب من غير تهيئة أسبابه، أو التخلص من عقاب من غير إتيان التكليف المتوجه إليه فذلك مورد الشفاعة، وعنده تؤثر لكن لا مطلقا فإن من لا لياقة له بالنسبة إلى التلبس بكمال ، أو لا رابطة له تربطها إلى المشفوع عنده أصلا، كالعامي الأمي الذي يريد تقلد مقام علمي، أو الجاحد الطاغي الذي لا يخضع لسيده أصلا لا تنفع عنده الشفاعة، فإنما الشفاعة متممة للسبب لا مستقلة في التأثير.
ثم إن تأثير الشفيع عند الحاكم المشفوع عنده لا يكون تأثيرا جزافيا من غير سبب يوجب ذلك بل لا بد أن يوسط أمرا يؤثر في الحاكم، ويوجب نيل الثواب، أو التخلص من العقاب، فالشفيع لا يطلب من المولى مثلا أن يبطل مولوية نفسه وعبودية عبده فلا يعاقبه، ولا يطلب منه أن يرفع اليد عن حكمه وتكليفه المجعول، أو ينسخه عموما أو في خصوص الواقعة فلا يعاقبه، ولا يطلب منه أن يبطل قانون المجازاة عموما أو خصوصا فلا يعاقب لذلك رأسا، أو في خصوص الواقعة، فلا نفوذ ولا تأثير للشفيع في مولوية وعبودية، ولا في حكم ولا في جزاء حكم، بل الشفيع بعد ما يسلم جميع الجهات الثلاث المذكورة إنما يتمسك: إما بصفات في المولى الحاكم توجب العفو والصفح كسؤدده، وكرمه، وسخائه، وشرافة محتده، وإما بصفات في العبد تستدعي الرأفة والحنان وتثير عوامل المغفرة كمذلته ومسكنته وحقارته وسوء حاله، وإما بصفات في نفسه أعني نفس الشفيع من قربه إلى المولى وكرامته وعلو منزلته عنده فيقول: ما أسألك إبطال مولويتك وعبوديته، ولا أن تبطل حكمك ولا أن تبطل الجزاء، بل أسألك الصفح عنه بأن لك سؤددا ورأفة وكرما لا تنتفع بعقابه ولا يضرك الصفح عن ذنبه أو بأنه جاهل حقير مسكين لا يعتني مثلك بشأنه ولا يهتم بأمره أو بأن لي عندك من المنزلة والكرامة ما يوجب إسعاف حاجتي في تخليصه والعفو عنه.
पृष्ठ 89