तफ़सीर मीज़ान
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
शैलियों
رابعها: أن التشريع كما لا يلائم الجبر كذلك لا يلائم التفويض، إذ لا معنى للأمر والنهي المولويين فيما لا يملك المولى منه شيئا، مضافا إلى أن التفويض لا يتم إلا مع سلب إطلاق الملك منه تعالى عن بعض ما في ملكه.
بحث روائي
استفاضت الروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنهم قالوا: لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين الحديث.
وفي العيون، بعدة طرق: لما انصرف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من صفين قام إليه شيخ ممن شهد الواقعة معه فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا من مسيرنا هذا أبقضاء من الله وقدر، فقال له أمير المؤمنين: أجل يا شيخ فوالله ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر، فقال الشيخ عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين فقال: مهلا يا شيخ لعلك تظن قضاء حتما وقدرا لازما، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر، ولسقط معنى الوعد والوعيد، ولم تكن على مسيء لائمة ولا لمحسن محمدة، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب والمذنب أولى بالإحسان من المحسن، تلك مقالة عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الأمة ومجوسها. يا شيخ إن الله كلف تخييرا ونهى تحذيرا، وأعطى على القليل كثيرا ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكروها ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا. ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار الحديث.
أقول: قوله: بقضاء من الله وقدر إلى قوله: عند الله أحتسب عنائي.
ليعلم أن من أقدم المباحث التي وقعت في الإسلام موردا للنقض والإبرام، وتشاغبت فيه الأنظار مسألة الكلام ومسألة القضاء والقدر وإذ صوروا معنى القضاء والقدر واستنتجوا نتيجته فإذا هي أن الإرادة الإلهية الأزلية تعلقت بكل شيء من العالم فلا شيء من العالم موجودا على وصف الإمكان، بل إن كان موجودا فبالضرورة، لتعلق الإرادة بها واستحالة تخلف مراده تعالى عن إرادته، وإن كان معدوما فبالامتناع لعدم تعلق الإرادة بها وإلا لكانت موجودة، وإذا اطردت هذه القاعدة في الموجودات وقع الإشكال في الأفعال الاختيارية الصادرة منا فإنا نرى في بادي النظر أن نسبة هذه الأفعال وجودا وعدما إلينا متساوية، وإنما يتعين واحد من الجانبين بتعلق الإرادة به بعد اختيار ذلك الجانب فأفعالنا اختيارية، والإرادة مؤثرة في تحققه سبب في إيجاده، ولكن، فرض تعلق الإرادة الإلهية الأزلية المستحيلة التخلف بالفعل يبطل اختيارية الفعل أولا، وتأثير إرادتنا في وجود الفعل ثانيا وحينئذ لم يكن معنى للقدرة قبل الفعل على الفعل، ولا معنى للتكليف لعدم القدرة قبل الفعل وخاصة في صورة الخلاف والتمرد فيكون تكليفا بما لا يطاق، ولا معنى لإثابة المطيع بالجبر لأنه جزاف قبيح، ولا معنى لعقاب العاصي بالجبر لأنه ظلم قبيح إلى غير ذلك من اللوازم، وقد التزم الجميع هؤلاء الباحثون فقالوا القدرة غير موجودة قبل الفعل، والحسن والقبح أمران غير واقعيين لا يلزم تقيد أفعاله تعالى بهما بل كل ما يفعله فهو حسن ولا يتصف فعله تعالى بالقبح، فلا مانع هناك من الترجيح بلا مرجح، ولا من الإرادة الجزافية، ولا من التكليف بما لا يطاق، ولا من عقاب العاصي وإن لم يكن النقصان من قبله إلى غير ذلك من التوالي تعالى عن ذلك.
पृष्ठ 53