तफ़सीर मीज़ान
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
शैलियों
2 سورة البقرة - 26 - 27
إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين ءامنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ما ذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به إلا الفسقين (26) الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك هم الخسرون (27)
.
بيان
قوله تعالى: إن الله لا يستحيي أن يضرب، البعوضة الحيوان المعروف وهو من أصغر الحيوانات المحسوسة وهذه الآية والتي بعدها نظيرة ما في سورة الرعد "أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب. الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق. والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل": الرعد - 19، 20، 21.
وكيف كان فالآية تشهد على أن من الضلال والعمى ما يلحق الإنسان عقيب أعماله السيئة غير الضلال والعمى الذي له في نفسه ومن نفسه حيث يقول تعالى: وما يضل به إلا الفاسقين، فقد جعل إضلاله في تلو الفسق لا متقدما عليه هذا.
ثم إن الهداية والإضلال كلمتان جامعتان لجميع أنواع الكرامة والخذلان التي ترد منه تعالى على عباده السعداء والأشقياء، فإن الله تعالى وصف في كلامه حال السعداء من عباده بأنه يحييهم حياة طيبة، ويؤيدهم بروح الإيمان، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويجعل لهم نورا يمشون به، وهو وليهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهو معهم يستجيب لهم إذا دعوه ويذكرهم إذا ذكروه، والملائكة تنزل عليهم بالبشرى والسلام إلى غير ذلك.
ووصف حال الأشقياء من عباده بأنه يضلهم ويخرجهم من النور إلى الظلمات ويختم على قلوبهم، وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، ويطمس وجوههم على أدبارهم ويجعل في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون، ويجعل من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فيغشيهم فهم لا يبصرون، ويقيض لهم شياطين قرناء يضلونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون، ويزينون لهم أعمالهم، وهم أولياؤهم، ويستدرجهم الله من حيث لا يشعرون، ويملي لهم إن كيده متين، ويمكر بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون.
فهذه نبذة مما ذكره سبحانه من حال الفريقين وظاهرها أن للإنسان في الدنيا وراء الحياة التي يعيش بها فيها حياة أخرى سعيدة أو شقية ذات أصول وأعراق يعيش بها فيها، وسيطلع ويقف عليها عند انقطاع الأسباب وارتفاع الحجاب، ويظهر من كلامه تعالى أيضا أن للإنسان حياة أخرى سابقة على حياته الدنيا يحذوها فيها كما يحذو حذو حياته الدنيا فيما يتلوها.
وبعبارة أخرى إن للإنسان حياة قبل هذه الحياة الدنيا وحياة بعدها، والحياة الثالثة تتبع حكم الثانية والثانية حكم الأولى، فالإنسان وهو في الدنيا واقع بين حياتين: سابقة ولاحقة، فهذا هو الذي يقضي به ظاهر القرآن.
لكن الجمهور من المفسرين حملوا القسم الأول من الآيات وهي الواصفة للحياة السابقة على ضرب من لسان الحال واقتضاء الاستعداد، والقسم الثاني منها وهي الواصفة للحياة اللاحقة على ضروب المجاز والاستعارة هذا، إلا أن ظواهر كثير من الآيات يدفع ذلك.
أما القسم الأول وهي آيات الذر والميثاق فستأتي في مواردها، وأما القسم الثاني فكثير من الآيات دالة على أن الجزاء يوم الجزاء بنفس الأعمال وعينها كقوله تعالى: "لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون": التحريم - 7، وقوله تعالى: "ثم توفى كل نفس ما كسبت" الآية: البقرة - 281، وقوله تعالى: "فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة": البقرة - 24، وقوله تعالى: "فليدع نادية سندع الزبانية": العلق - 18، وقوله تعالى: "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء": آل عمران - 30، وقوله تعالى: "ما يأكلون في بطونهم إلا النار": البقرة - 174، وقوله: "إنما يأكلون في بطونهم نارا": النساء - 10، إلى غير ذلك من الآيات.
पृष्ठ 49