तफ़सीर मीज़ान
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
शैलियों
الإعجاز وماهيته
اعلم: أن دعوى القرآن أنها آية معجزة بهذا التحدي الذي أبدتها هذه الآية تنحل بحسب الحقيقة إلى دعويين، وهما دعوى ثبوت أصل الإعجاز وخرق العادة الجارية ودعوى أن القرآن مصداق من مصاديق الإعجاز ومعلوم أن الدعوى الثانية تثبت بثبوتها الدعوى الأولى، والقرآن أيضا يكتفي بهذا النمط من البيان ويتحدى بنفسه فيستنتج به كلتا النتيجتين غير أنه يبقى الكلام على كيفية تحقق الإعجاز مع اشتماله على ما لا تصدقه العادة الجارية في الطبيعة من استناد المسببات إلى أسبابها المعهودة المشخصة من غير استثناء في حكم السببية أو تخلف واختلاف في قانون العلية، والقرآن يبين حقيقة الأمر ويزيل الشبهة فيه.
فالقرآن يشدق في بيان الأمر من جهتين.
الأولى: أن الإعجاز ثابت ومن مصاديقه القرآن المثبت لأصل الإعجاز ولكونه منه بالتحدي.
الثانية: أنه ما هو حقيقة الإعجاز وكيف يقع في الطبيعة أمر يخرق عادتها وينقض كليتها.
إعجاز القرآن
لا ريب في أن القرآن يتحدى بالإعجاز في آيات كثيرة مختلفة مكية ومدنية تدل جميعها على أن القرآن آية معجزة خارقة حتى أن الآية السابقة أعني قوله تعالى: "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله" الآية، أي من مثل النبي " (صلى الله عليه وآله وسلم)" استدلال على كون القرآن معجزة بالتحدي على إتيان سورة نظيرة سورة من مثل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا أنه استدلال على النبوة مستقيما وبلا واسطة، والدليل عليه قوله تعالى في أولها: "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا" ولم يقل وإن كنتم في ريب من رسالة عبدنا، فجميع التحديات الواقعة في القرآن نحو استدلال على كون القرآن معجزة خارقة من عند الله، والآيات المشتملة على التحدي مختلفة في العموم والخصوص ومن أعمها تحديا قوله تعالى: "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا": الإسراء - 88، والآية مكية وفيها من عموم التحدي ما لا يرتاب فيه ذو مسكة.
فلو كان التحدي ببلاغة بيان القرآن وجزالة أسلوبه فقط لم يتعد التحدي قوما خاصا وهم العرب العرباء من الجاهليين والمخضرمين قبل اختلاط اللسان وفساده، وقد قرع بالآية أسماع الإنس والجن.
وكذا غير البلاغة والجزالة من كل صفة خاصة اشتمل عليها القرآن كالمعارف الحقيقية والأخلاق الفاضلة والأحكام التشريعية والأخبار المغيبة ومعارف أخرى لم يكشف البشر حين النزول عن وجهها النقاب إلى غير ذلك، كل واحد منها مما يعرفه بعض الثقلين دون جميعهم، فإطلاق التحدي على الثقلين ليس إلا في جميع ما يمكن فيه التفاضل في الصفات.
فالقرآن آية للبليغ في بلاغته وفصاحته، وللحكيم في حكمته، وللعالم في علمه وللاجتماعي في اجتماعه، وللمقننين في تقنينهم وللسياسيين في سياستهم، وللحكام في حكومتهم، ولجميع العالمين فيما لا ينالونه جميعا كالغيب والاختلاف في الحكم والعلم، والبيان.
पृष्ठ 31