194

तफ्सीर कबीर

التفسير الكبير

शैलियों

[الحجرات: 13] الآية.

وقال بعضهم: معناه أذكروا الله بالتوحيد كما تذكرون آباءكم بذلك؛ فإنكم لا ترضون أن تنسبوا إلى أبوين، وكذلك لا ترضون من أنفسكم باتخاذ إلهين.

وعن عطاء والربيع والضحاك في قوله: { كذكركم آبآءكم }: (هو كقول الصغير أول ما يفقه الكلام (أبه أبه) أي استغيثوا بالله وافزعوا إليه في جميع أموركم؛ كما يفزع الصغير إلى أبيه في جميع أموره ويلتح بذكره). وعن أبي الجوزاء قال: قلت لابن عباس رضي الله عنه: أخبرني عن قول الله عز وجل: { فاذكروا الله كذكركم آبآءكم } وقد يأتي على الرجل اليوم لا يذكر أباه، فقال ابن عباس: (ليس كذلك، ولكن أن تغضب لله إذا عصي أشد من غضبك لوالديك إذا شتما).

وأما وجه نصب { أشد } فقال الأخفش: (اذكروه ذكرا أشد ذكرا). وقال الزجاج: (هو في محل الخفض، ولكنه لا ينصرف لأنه صفة على وزن (أفعل). ونصب { ذكرا } على التمييز).

قوله عز وجل: { فمن الناس من يقول ربنآ آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق }؛ نزلت في مشركي قريش كانوا يقولون في عادتهم في الحج: اللهم ارزقنا إبلا وبقرا وغنما وعبيدا وإماء وأموالا. ولم يكونوا يسألون لأنفسهم التوبة والمغفرة، كانوا لا يرجون إلا نعيم الدنيا، ولا يخافون البعث والنشور. فبين الله تعالى بقوله: { وما له في الآخرة من خلاق } أي من نصيب ولا ثواب.

والمعنى: من يطلب بحجه أمور الدنيا لا يريد بذلك ثواب الله تعالى، فلا نصيب له في ثواب الآخرة. وقال أنس بن مالك: (كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدعون ويقولون: اللهم اسقنا المطر وأعطنا على عدونا الظفر). وقال قتادة: (هذا عبد نوى الدنيا؛ لها أنفق ولها عمل ولها نصب). فهي همه وسؤله وطلبه.

ثم بين الله تعالى دعاء المؤمنين بقوله عز وجل: { ومنهم من يقول ربنآ آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار }؛ واختلفوا في معنى الحسنتين؛ فقال علي كرم الله وجهه: { آتنا في الدنيا حسنة } أي امرأة صالحة، { وفي الآخرة حسنة } الحور العين، { وقنا عذاب النار } المرأة السوء). وقال الحسن: (معناه: آتنا في الدنيا العلم والعبادة، وفي الآخرة الجنة). قال السدي: (معناه: آتنا في الدنيا رزقا حلالا واسعا وعملا صالحا، وفي الآخرة مغفرة وثوابا). وقال عطية: (معناه: { آتنا في الدنيا } العلم والعمل به، { وفي الآخرة } تيسير الحساب ودخول الجنة). وقال مجاهد: (معنى الحسنة: النعمة، فكأنهم سألوا الله نعمة الدنيا والآخرة وأن يقيهم عذاب النار).

وقيل: معناه: آتنا في الدنيا التوفيق والعصمة، وفي الآخرة النجاة والرحمة. وقيل: معناه: آتنا في الدنيا أولادا أبرارا، وفي الآخرة مرافقة الأنبياء. وقيل: معناه آتنا في الدنيا المال والنعمة، وفي الآخرة تمام النعمة، وهو الفوز من النار ودخول الجنة. وقيل: معناه آتنا في الدنيا: الدين واليقين، وفي الآخرة اللقاء والرضاء. وقيل: معناه: آتنا في الدنيا الثبات على الإيمان، وفي الآخرة السلامة والرضوان. وقيل: معناه: آتنا في الدنيا حلاوة الطاعة، وفي الآخرة لذة الرؤية. وقيل: معناه: آتنا في الدنيا الإخلاص، وفي الآخرة الخلاص.

وقال قتادة: (معناه: آتنا في الدنيا عافية، وفي الآخرة عافية). ودليل ذلك ما روي عن أنس:

" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضا قد أضني ونحل جسمه حتى صار كالفرخ المنتوف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " هل كنت تدعو الله بشر أو تسأله شيئا؟ " قال: كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا. فقال: " سبحان الله! إذن لا تستطيعه ولا تطيقه، إنك ضعيف لا تستطيع أن تقوم لعذاب الله، هلا قلت: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " فدعا الرجل بذلك فشفاه الله عز وجل وأبرأه من مرضه ".

अज्ञात पृष्ठ