129

तफ्सीर कबीर

التفسير الكبير

शैलियों

قوله تعالى: { إلا الذين ظلموا منهم }؛ أي لا يحاجكم أحد إلا من ظلم فيما وضح له؛ واحتج بغير الحق. وأراد بالذين ظلموا قريشا واليهود. وكانت حجة قريش الباطلة أن قالوا: إنما رجع إلى الكعبة لأنه علم أنها قبلة آبائه وهو الحق وكذا يرجع إلى ديننا ويعلم أنه حق. وأما اليهود فإنهم يقولون: إن كانت قبلتنا ضلالة فقد صليت إليها سبعة عشر شهرا، وإن كانت هدى فقد انصرفت عنها. وقيل: لأن اليهود يقولون: إن محمدا لم ينصرف عن بيت المقدس مع علمه بأنه حق إلا أنه إنما يفعل برأيه ويزعم أنه أمر به. وقيل: إن من حجة مشركي مكة أنهم قالوا لما قالوا لما صرفت القبلة إلى الكعبة: إن محمدا قد تحير في دينه وتوجه إلى قبلتنا وعلم أنا أهدى سبيلا منه وإنه لا يستغني عنا ولا شك أنه يرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا. فأجابهم الله تعالى بهذه الآية { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم } نفى أن لا يكون لأحد حجة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. بسبب تحويلهم إلى الكعبة. إلا الذين ظلموا من قريش فإن لهم قبلهم حجة لما ذكرنا.

والحجة: الخصومة والجدال والدعوة الباطلة كقوله تعالى:

لا حجة بيننا وبينكم

[الشورى: 15] أي لا خصومة. وقوله تعالى:

قل أتحآجوننا في الله

[البقرة: 139] و

ليحآجوكم

[البقرة: 76] وحاججتهم؛ كلها بمعنى المخاصمة والمجادلة لا بمعنى الدليل والبرهان. وموضع (الذين) نصب بنزع الخافض، تقديره: إلا الذين ظلموا. وقال الفراء: موضعه نصب بالاستثناء. وإنما قال: (منهم) ردا إلى لفظ الناس؛ لأنه عام وإن كان كل واحد منهم غير الآخر. وقال بعضهم: هذا الاستثناء منقطع من الكلام الأول، ومعناه: لئلا يكون كلهم عليكم حجة؛ اللهم إلا الذين ظلموا فإنهم يحاجونكم بالباطل ويجادلونكم بالظلم، وهذا كما يقدر في الكلام للرجل: الناس كلهم لك حامدون إلا الظالم لك. وقولهم للرجل: ما لك عندي حق إلا أن يظلم. وما لك حجة إلا الباطل.

وقال أبو روق: (معنى الآية: { لئلا يكون للناس } يعني اليهود عليكم حجة).

وذلك أنهم قد عرفوا أن الكعبة قبلة إبراهيم عليه السلام وقد كانوا وجدوا في التوراة أن محمدا صلى الله عليه وسلم يحوله الله إليها لئلا يكون لهم حجة فيحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي نجده سيحول إليها، ولم تحول أنت. فلما حول النبي صلى الله عليه وسلم ذهبت حجتهم. ثم قال: { إلا الذين ظلموا منهم } يعني إلا الذين يظلموكم فيكتموا ما عرفوا من ذلك. وكان أبو عبيدة يقول: (إلا) هنا بمعنى (ولا) كأنه قال: لئلا يكون للناس عليكم حجة ولا الذين ظلموا، والذين ظلموا لا يكونوا حجة لهم. قال الشاعر:

अज्ञात पृष्ठ