183

तफ़्सीर बयान सआदा

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

शैलियों

اعلم ان الانسان سوى المعصومين من اول الصبا كافر محض حالا واعتقادا الى اوان المراهقة والبلوغ فان ساعده التوفيق وانجذب الى الانقياد لنبى وقته والاعتقاد بالتوحيد صار مسلما موحدا اعتقادا وكان كافرا حالا لانه حينئذ فى دار الكثرة ومقام النفس التى لا ترى الا الكثرات ولا تتذكر فى الفاعلين فاعلا وحدانيا بل لا تعتقد فاعلا وحدانيا فان ساعده التوفيق وانجذب من دار الكثرة الى دار الوحدة التى هى دار القلب ودار الايمان فان بايع البيعة الخاصة الولوية ودخل الايمان فى قلبه وهاجر من دار الحرب التى هى دار النفس ودار الكفر الى مدينة القلب التى هى دار الامن والامان والايمان فهو قد يجد وجدانا وحالا الهيا فى الفاعلين فيخرج من الكفر الحالى الى الشرك الحالى ثم الشهودى ثم العيانى حتى يخرج من دار الشرك الى دار التوحيد بحيث لا يرى فى الوجود الا الله وحصل معنى لا حول ولا قوة الا بالله، ثم معنى لا اله الا الله، وهنا لك يخرج من الشرك ويصير موحدا فالانسان ما دام فى دار الكفر والشرك لا يخرج من الاشراك بالله فى الوجود ولا فى الطاعة لانه ان لم يطع انسانا يطع هواه وشيطانا فان كان ما اشرك به لله انزل الله تعالى حجة وبرهانا فى صحة اشراكه كان المشرك موحدا من طريق الاشراك وكان اشراكه مأذونا فيه ومأجورا فيه، وان لم ينزل فى اشراكه برهانا وسلطانا كان اشراكه كفرا ومنهيا عنه ومورثا لعقوبة الآخرة فقوله تعالى: { بمآ أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا } يفيد بمفهوم مخالفته انه ان اشرك بالله من نزل الله به سلطانا لم يكن مذموما وقد فسر الاشراك فى الاخبار بالاشراك بالولاية وبالاشراك بعلى (ع) وذلك لظهور الآلهة بالولاية وظهور الله بعلى (ع) { ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين } النار وفى وضع الظاهر موضع المضمر اظهار لذم آخر واشعار بعلة الحكم.

[3.152]

{ ولقد صدقكم الله وعده } اياكم بقوله { بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم } او بقوله { وأنتم الأعلون } وبقوله { بل الله مولاكم وهو خير الناصرين } تعريضا او بقوله { سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب } او بقول نبيه (ص) لاصحاب عبد الله بن جبير

" لا تبرحوا من هذا المكان فانا لا نزال غالبين ما ثبتم مكانكم "

ولقد تحقق صدق وعده حين كنتم غالبين ما كنتم غير مخالفين لامر الرسول بثبات اصحاب عبد الله بن جبير فى مراكزهم { إذ تحسونهم } تقتلونهم من الحس بمعنى القتل او الحيلة او الاستئصال { بإذنه } بترخيصه واباحته تكوينا وتكليفا على لسان نبيه (ص) { حتى إذا فشلتم } ضعفتم عن القتال والثبات فى مراكزكم { وتنازعتم في الأمر } بان قال بعضكم: غنم اصحابنا، وقال بعضكم: لا نبرح من أمكنتنا فان الرسول (ص) قدم الينا ان لا نبرح { وعصيتم } امر الرسول (ص) بان لا تبرحوا عن امكنتكم سواء انهزم المسلمون او هزموا { من بعد مآ أراكم } الله { ما تحبون } من الظفر والغنيمة وجواب اذا محذوف وهو امتحنكم او منعكم انجاز وعده لمنعكم شرط وعده وهو الصبر والتقوى والثبات فى المراكز { منكم من يريد الدنيا } جواب لسؤال مقدر كأنه قيل لما يقع النزاع منا؟ - فقال: لان منكم من يريد الدنيا وهم الذين تركوا مراكزهم من اصحاب عبد الله بن جبير للحرص على الغنيمة وارادة عرض الدنيا { ومنكم من يريد الآخرة } وهم الذين ثبتوا حتى قتلوا { ثم صرفكم عنهم } اى عن مقاتلتهم بالجبن والفرار حتى غلبوكم { ليبتليكم } يمتحنكم بالبلايا فيخلصكم من الهوى وارادة الدنيا { ولقد عفا عنكم } بعد ما ندمتم على مخالفتكم تفضلا منه عليكم فادالكم عليهم ثانيا بحيث غلبتموهم وارعبتموهم حتى لم يمكثوا الى مكة وكانوا مسرعين خائفين { والله ذو فضل على المؤمنين } فلا ينظر الى اعمالهم واستحقاقهم بل يريد استكمالهم فى الاحوال كلها سواء ابتلاهم او انعم عليهم.

[3.153]

{ إذ تصعدون } على الجبل فى فراركم او فى وجه الارض فان الاصعاد الذهاب فى الصعيد وهو وجه الارض والصعود بمعنى الارتقاء والظرف متعلق بصرفكم او بيبتليكم او مفعول لذكرهم مقدرا منقطعا عما قبله { ولا تلوون على أحد } لا تنظرون على اعقابكم فى فراركم لشدة خوفكم { والرسول } والحال ان الرسول { يدعوكم في أخراكم } فى جماعتكم المتأخرة اى فى اعقابكم كان يقول: الى عباد الله الى عباد الله انا رسول الله { فأثابكم } اى جازاكم الرسول او الله { غما } هو القتل موصولا { بغم } هو المغلوبية والفرار او غما هو الفرار والقتل موصولا بغم هو الارجاف بقتل الرسول (ص) او غموما متتالية هى القتل والهزيمة والارجاف والجرح فان هذه الكلمة قد تستعمل فى الكثرة المتتالية، او اثابكم غما هو الهزيمة والارجاف والقتل بدل غم او بسبب غم اصاب الرسول (ص) حين خلافكم قوله (ص) وعدم ثباتكم فى مراكزكم { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } بعد ذلك يعنى ان اثابة الغم على ترك امر الرسول (ص) واذاقة مرارة الهزيمة والقتل ليكون ذلك فى ذكركم فلا تخالفوا بعد ذلك امر الرسول (ص) لعرض الدنيا ولا تحزنوا على ما تصورتم فواته من الغنيمة { ولا } على { مآ أصابكم } من الشدائد فى سبيل الله فان البلية اذا كانت فى طاعة الله وطاعة رسوله لم تؤثر اثرا بل تلذ لبعض، او المعنى اثابكم غما بغم ليستكملكم بذلك فلا تحزنوا بعد الاستكمال على ما فاتكم، او المعنى ليشغلكم حزنكم على مخالفة امر النبى (ص) عن الحزن على ما فاتكم { والله خبير بما تعملون } فيجازيكم على اعمالكم على حسب مصالحكم، وفيه ترغيب فى الطاعة وترهيب عن المعصية.

[3.154]

{ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا } لتعلموا ان ليس الابتلاء والامنة الخارجان عن طريق المعتاد الا عن الله وتكلوا اموركم الى الله، و(امنة) مفعول انزل و(نعاسا) بدل منه بدل الاشتمال، او امنة حال من نعاسا او من المخاطبين بان تكون جمع آمن او بتقدير آمنين، ونعاسا بدل منه بدل الاشتمال، او امنة حال من نعاسا او من المخاطبين بان تكون جمع آمن او بتقدير آمنين، و(نعاسا) مفعول. نقل عن بعض الغازين فى احد انه قال غشينا النعاس فى المصاف حتى كان السيف يسقط من يد احدنا فيأخذه ثم يسقط فيأخذه { يغشى طآئفة منكم } وهم المؤمنون الخالصون { وطآئفة } اخرى ولتقدير الصفة جاز الابتداء به وهذه الطائفة هم المنافقون { قد أهمتهم أنفسهم } اوقعتهم انفسهم فى الهموم او جعلتهم ذوى اهتمام بأنفسهم من غير التفات الى الدين او الرسول (ص) والمسلمين والجملة خبر عن طائفة او صفة لها { يظنون بالله } خبر بعد خبر او صفة بعد صفة او خبر ابتداء او حال او مستأنف جواب لسؤال مقدر { غير الحق } غير الظن الحق على ان يكون مفعولا مطلقا او غير المظنون الحق على ان يكون قائما مقام المفعولين { ظن } الملة { الجاهلية } بدل من غير الحق او مفعول مطلق { يقولون } عند انفسهم او لاقرانهم والجملة بدل عن يظنون او هى مثل الجملة السابقة فى الوجوه المحتملة { هل لنا من الأمر } اى من امر الدين او من امر الوعد بالنصر والظفر او من امر أنفسنا وتدبير خلاصنا من هذه البلية، او هل لنا نجاة فنكون مسلطين على امر انفسنا { من شيء } يعنى يظهرون اضطرابهم وعدم اعتقادهم بنبوة محمد (ص) على انفسهم بكلامهم النفسانى او على غيرهم بكلامهم اللسانى { قل إن الأمر كله لله } اى امر الغلبة والنصر او امر التدبير او عالم الامر والقضاء والجملة معترضة ان كان قوله تعالى { يخفون في أنفسهم } حالا او صفة او خبرا واما اذا كان مستأنفا جوابا لسؤال مقدر فيكون قوله { قل ان الامر كله لله } منقطعا مستأنفا والمعنى يخفى هؤلاء الطائفة المنافقة فى انفسهم من الانكار والتكذيب وارادة اللحوق بالكفار { ما لا يبدون لك يقولون } الجملة كالجمل السابقة فى وجوه الاعراب { لو كان لنا من الأمر شيء } باحد المعانى المذكورة، او لو كنا بالمدينة باختيارنا ولم نبرح من المدينة كما كان رأى ابن ابى وغيره { ما قتلنا } ما غلبنا وما قتل المقتولون منا { هاهنا قل } ردا لهذا الزعم الفاسد والخيال الكاسد { لو كنتم في بيوتكم } متحصنين { لبرز الذين كتب } فى اللوح المحفوظ او فرض { عليهم القتل إلى مضاجعهم } ومصارعهم لم ينفعهم التحصن، او المعنى قل لهم ايها المضطربون الشاكون: لو كنتم فى بيوتكم لبرز المؤمنون الذين فرض الله عليهم القتال الى مضاجعهم { و } فعل ذلك الخروج والقتال والمقتولية والمغلوبية بكم { ليبتلي الله ما في صدوركم } ويمتحنه حتى يظهر كونه فاسدا غير موافق لما فى اللسان { وليمحص ما في قلوبكم } لما كان الصدر يطلق على النفس باعتبار جهتها السفلية والقلب يطلق عليها باعتبار جهتها الى القلب الحقيقى نسب الابتلاء الذى هو استعلام حال الردى واظهار ردائته الى الصدر والتمحيص الذى هو تخليص الجيد من الردى والصحيح من الفاسد الى القلب لان صدر المنافق لا يكون فيه الا النفاق والفاسد من العقائد وما لم ينقطع الفطرة الانسانية منه ولم يرتد فطريا لا يخلو قلبه من امر حق ولو كان اجماليا { والله عليم بذات الصدور } فلا يكون الامتحان منه لاستعلام الممتحن كامتحان الجاهلين بل لاستكمال الممتحن او ظهور حاله على معاشريه ممن لم يعلم حاله او استنزاله.

[3.155]

अज्ञात पृष्ठ