(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ): اسمان مشتقان من الرحمة أحدهما أبلغ من الآخر، مثل العلام والعالم، قال ابن عباس: هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر، أي أكثر من الآخر رحمة.
وأما الفاتحة فهي سبع آيات: ثلاث ونصف لله، وثلاث ونصف للعبد، فأولها: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ١ فاعلم أن الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري، فأخرج بقوله الثناء باللسان الثناء بالفعل الذي يسمى لسان الحال، فذلك من نوع الشكر،
وقوله: على الجميل الاختياري أي الذي يفعله الإنسان بإرادته، وأما الجميل الذي لا صنع له فيه مثل الجمال ونحوه فالثناء به يسمى مدحا لا حمدا، والفرق بين الحمد والشكر: أن الحمد يتضمن المدح والثناء على المحمود بذكر محاسنه سواء كان إحسانا إلى الحامد أو لم يكن، والشكر لا يكون إلا على إحسان المشكور، فمن هذا الوجه الحمد أعم من الشكر، لأنه يكون على المحاسن والإحسان، فإن الله يحمد على ما له من الأسماء الحسنى وما خلقه في الآخرة والأولى، ولهذا قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾ ٢ الآية وقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ ٣ إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الشكر فإنه لا يكون إلا على الإنعام; فهو أخص من الحمد من هذا الوجه، لكنه يكون بالقلب واليد واللسان، ولهذا قال تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾ ٤. والحمد إنما يكون بالقلب واللسان، فمن هذا الوجه الشكر أعم من جهة أنواعه، والحمد أعم من جهة أسبابه.
_________
١ سورة الفاتحة آية: ٢.
٢ سورة الإسراء آية: ١١١.
٣ سورة الأنعام آية: ١.
٤ سورة سبأ آية: ١٣.
1 / 10