Tafsir and the Exegetes
التفسير والمفسرون
प्रकाशक
مكتبة وهبة
प्रकाशक स्थान
القاهرة
शैलियों
البلاغية وأحكامها التشريعية، وهذا أمر غير ممكن بالنسبة لكتاب الله العزيز، وذلك لأن القرآن نزل لغرضين أساسيين:
أولهما: كونه آية دالة على صدق النبى ﷺ فيما يُبلِّغه عن ربه، وذلك بكونه معجزًا للبَشر، لا يقدرون على الإتيان بمثله ولو اجتمع الإنس والجن على ذلك.
وثانيهما: هداية الناس لما فيه صلاحهم فى دنياهم وأخراهم.
أما الغرض الأول، وهو كونه آية على صدق النبى ﷺ فلا يمكن تأديته بالترجمة اتفاقًا، فإن القرآن - وإن كان الإعجاز فى جملته لعدة معان كالإخبار بالغيب، واستيفاء تشريع لا يعتريه خلل، وغير ذلك مما عُدَّ من وجوه إعجازه - إنما يدور الإعجاز السارى فى كل آية منه على ما فيه من خواص بلاغية جاءت لمقتضيات معيَّنة، وهذه لا يمكن نقلها إلى اللغات الأخرى اتفاقًا، فإن اللغات الراقية وإن كان لها بلاغة، ولكن لكل لغة خواصها لا يشاركها فيها غيرها من اللغات، وإذن فلو تُرجِم القرآن ترجمة حرفية - وهذا محال - لضاعت خواص القرآن البلاغية، ولنزل من مرتبته المعجزة إلى مرتبة تدخل تحت طوق البشر، ولفات هذا المقصد العظيم الذى نزل القرآن من أجله على محمد ﷺ.
وأما الغرض الثانى، وهو كونه هداية للناس إلى ما فيه سعادتهم فى الدارين فذلك باستنباط الأحكام والإرشادات منه، وهذا يرجع بعضه إلى المعانى الأصلية التى يشترك فى تفاهمها وأدائها كل الناس، وتقوى عليها جميع اللغات، وهذا النوع من المعانى يمكن ترجمته واستفادة الأحكام منه، وبعض آخر من الأحكام والإرشادات يُستفاد من المعانى الثانوية، ونجد هذا كثيرًا فى استنباط الأئمة المجتهدين، وهذه المعانى الثانوية لازمة للقرآن الكريم وبدونها لا يكون قرآنًا. والترجمة الحرفية إن أمكن فيها المحافظة على المعانى الأوَّلية، فغير ممكن أن يحافظ فيها على المعانى الثانوية، ضرورة أنها لازمة للقرآن دون غيره من سائر اللغات.
ومما تقدم يُعلم: أن الترجمة الحرفية للقرآن، لا يمكن أن تقوم مقام الأصل فى تحصيل كل ما يُقصد منه، لما يترتب عليها من ضياع الغرض الأول برمته، وفوات شطر من الغرض الثانى.
وأما الترجمة الحرفية بغير المثل: فمعناها أن يُترجم نظم القرآن حذوًا بحذو بقدر طاقة المترجِم وما تسعه لغته، وهذا أمر ممكن، وهو وإن جاز فى كلام البَشر، لا يجوز بالنسبة لكتاب الله العزيز، لأن فيه من فاعله إهدارًا لنظم القرآن، وإخلالًا بمعناه، وانتهاكًا لحرمته، فضلًا عن كونه فعلًا لا تدعو إليه ضرورة.
* *
1 / 20