وهذه تَكون أيضًا دليلًا على أنه يُشتَرَط رِضا الله تعالى عن الشافِع، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: ٢٨].
والآنَ لو أَقول: يا رسولَ الله، اشفَعْ لي عند الله. هل يَجوز؟
والجَوابُ: لا يَجوز؛ لأنه لا يَملِك ذلك، فهو لا يَشفَع لا لك ولا لغَيْرك إلَّا بإِذْن الله تعالى، ومن ذلك ما يَفعَله بعض الإخوان المُجاهِدين يَقول الواحِد منهم للثاني: اشفَعْ لي عند الله؛ لأن المُجاهِد له شفاعة إذا قُتِل شهيدًا، فتَجِد بعض أقاربه أو بعض أصحابه يَقول: اشفَعْ لي عِند الله! وهذا لا يَجوز؛ لأنه سأَله ما لا يَملِكه، فإنه إذا قال: اشفَعْ لي! نَقول: الشفاعة لمَن؟ الجَوابُ: لله تعالى، إِذَنْ قُلْ له: اللهُمَّ شفِّعْه فيِّ. ولا بأسَ في ذلك، فيَنبَغي عليك أن تَحرِص على الشفاعة ممَّن يَملِك الشفاعة، أمَّا ممَّن لا يَملِك لا تَصِحَّ، فهذا سُؤالٌ في غير محَلِّه، فالشَّفاعة إذَنْ: لله، وإذا كانت لله فلا تَسأَل إلَّا الله.
وقوله ﷾: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ كلمة ﴿جَمِيعًا﴾ إعرابها حال من الشَّفاعة، لكن ما مَعنَى الجَمْع هنا؟ وهل الشَّفاعة مُتعدِّدة؟
الجَوابُ: نَعمِ، الشفاعة مُتعدِّدة؛ شفاعة في الدنيا، وشفاعة في الآخِرة، وشفاعة في جَلْب نَفْع، وشفاعة في دَفْع ضرَر، فلا شَفاعةَ إلَّا لله ﷿، فوَكْل الشفاعات تَكون لله تعالى، وهناك شَفاعة في الدنيا كأَنْ يَدعوَ الإنسان لشَخْص إذا دعا الإنسان لشَخْص فهذه شَفاعة قال النبيُّ ﵊: "مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ" (١)، فدُعاء الإنسان
(١) أخرجه مسلم: كتاب الجنائز، باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه، رقم (٩٤٨)، من حديث ابن عباس ﵄.