أن يُبيِّن مدَى قُوَّتهم في تبليغ الدَّعْوة وصَبرهم عليها وكثرة أَتباعهم وما اصطِفاهم اللَّه ﷾ به، فقد صرَّح اللَّه ﷿ بذلك فقال: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾، ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ﴾.
وهل هذا المِيثاقُ هو الأوَّلُ أو غيره؟
اختَلَف المُفسِّرون فيه:
فقال بعضهم: إنه هو المِيثاق الأوَّل، وإنَّما أُعيد من أَجْل الوَصْف، وهو قوله تعالى: ﴿غَلِيظًا﴾، ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾.
وقال آخَرون: إنه غير الأوَّل؛ لأن القاعِدة أن الاسم إذا تَكرَّر فإن كان بلفظ المَعرِفة فالغالِب أن الثانيَ هو الأوَّل، وإن كان بلَفْظ النكِرة فالغالِب أن الثانيَ غير الأوَّل، هذا الغالِب وليس دائِمًا، فإنك ترَى قوله ﷾: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ جاء مُعرَّفًا بـ (أل)، والإحسان الثاني قطعًا غير الإحسان الأوَّل، لكن الأكثَر أنَّه إذا أُعيد الاسم مُنكَّرًا صار غير الأوَّل، وإن أُعيد مُعرَّفًا صار الأوَّل، فهنا أُعيد المِيثاق مُنكَّرًا قال: ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا﴾، فيَكون المِيثاق الثاني غيرَ الِميثاق الأوَّل.
ووجهُ المُغايرة: يَقول: إن المِيثاق الأوَّل هو المِيثاق الذي أُخِذ على جميع بني آدَمَ، والِميثاق الثاني هو المِيثاق الخاصُّ بالرُّسُل بما حُمِّلوه من القِيام بعِبادة اللَّه ﷿ وتَبليغ شريعته والدَّعوة إليه.
وأمَّا إذا قُلْنا: إن المِيثاق الثانيَ هو الأوَّل، فتكون فائِدة إعادته هو وَصْفَه بالغِلَظ، يَعنِي: أنَّه مِيثاق شديد أشَدُّ من الميثاق الذي أُخِذ على غيرهم.