اتقوا الله..
[البقرة: 278] يعني أن نتقي غضب الله الذي يؤدي بنا إلى أن نتقي كل صفات جلاله.. ونجعل بيننا وبينها وقاية. فمن اتقى صفات جلال الله أخذ صفات جماله.. ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا كانت آخر ليلة من رمضان تجلى الجبار بالمغفرة "
وكان المنطق يقتضي أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم تجلى الرحمن بالمغفرة ولكن ما دامت هناك ذنوب، فالمقام لصفة الجبار الذي يعذب خلقه بذنوبهم. فكأن صفة الغفار تشفع عند صفة الجبار.. وصفة الجبار مقامها للعاصين، فتأتي صفة الغفار لتشفع عندها، فيغفر الله للعاصين ذنوبهم، وجمال المقابلة هنا حينما يتجلى الجبار بجبروته بالمغفرة فساعة تأتي كلمة جبار.. يشعر الإنسان بالفزع والخوف والرعب. لكن عندما تسمع تجلى الجبار بالمغفرة فإن السعادة تدخل إلى قلبك. لأنك تعرف أن صاحب العقوبة وهو قادر عليها قد غفر لك. والنار ليست آمرة ولا فاعلة بذاتها ولكنها مأمورة. إذن فاستعذ منها بالآمر أو بصفات الجمال في الآمر. يقول الحق سبحانه وتعالى { هدى للمتقين } [البقرة: 2] ولقد قلنا إن الهدى هدى الله.. لأنه هو الذي حدد الغاية من الخلق ودلنا على الطريق الموصل إليها. فكون الله هو الذي حدد المطلوب ودلنا على الطريق إليه فهذه قمة النعمة.. لأنه لم يترك لنا أن نحدد غايتنا ولا الطريق إليها. فرحمنا بذلك مما سنتعرض له من شقاء في أن نخطئ ونصيب بسبب علمنا القاصر، فنشقى وندخل في تجارب، ونمشي في طرق ثم نكتشف أننا قد ضللنا الطريق فنتجه إلى طريق آخر فيكون أضل وأشقى . وهكذا نتخبط دون أن نصل إلى شيء.. وأراد سبحانه أن يجنبنا هذا كله فأنزل القرآن الكريم.. كتابا فيه هداية للناس وفيه دلالة على أقصر الطرق لكي نتقي عذاب الله وغضبه. والله سبحانه وتعالى قال: { هدى للمتقين } [البقرة: 2] أي أن هذا القرآن هدى للجميع، فالذي يريد أن يتقي عذاب الله وغضبه يجد فيه الطريق الذي يحدد له هذه الغاية.. فالهدى من الحق تبارك وتعالى للناس جميعا. ثم خص من آمن به بهدي آخر، وهو أن يعينه على الطاعة. إذن، فهناك هدى من الله لكل خلقه وهو أن يدلهم سبحانه وتعالى ويبين لهم الطريق المستقيم. هذا هو هدى الدلالة، وهو أن يدل الله خلقه جميعا على الطريق إلى طاعته وجنته. واقرأ قوله تبارك وتعالى:
وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى
[فصلت: 17]. إذن الحق سبحانه وتعالى دلهم على طريق الهداية.. ولكنهم أحبوا طريق الغواية والمعصية واتبعوه.. هذه هداية الدلالة.. أما هداية المعونة ففي قوله سبحانه:
والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم
[محمد: 17]. وهذه هي دلالة المعونة.. وهي لا تحق إلا لمن آمن بالله واتبع منهجه وأقبل على هداية الدلالة وعمل بها.. والله سبحانه وتعالى لا يعين من يرفض هداية الدلالة، بل يتركه يضل ويشقى.. ونحن حين نقرأ القرآن الكريم نجد أن الله تبارك وتعالى يقول لنبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم:
إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشآء..
[القصص: 56]. وهكذا نفى الله سبحانه وتعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكون هاديا لمن أحب، ولكن الحق يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم:
अज्ञात पृष्ठ