109

تفسير الشعراوي

تفسير الشعراوي

शैलियों

الله سبحانه وتعالى يمن على بني إسرائيل مرة أخرى مع أنهم ارتكبوا ذنبا من ذنوب القمة ومع ذلك عفا الله عنهم لأنه يريد أن يستبقي عنصر الخير للناس.. يريد أن يعلم خلقه أنه رب رحيم، يفتح أبواب التوبة للواحد بعد الآخر.. لتمحو خلايا الشر في النفس البشرية. إن الإنسان حين يذنب ذنبا ينفلت من قضية الإيمان، ولو لم تشرع التوبة والعفو من الله لزاد الناس في معاصيهم وغرقوا فيها، لأنه إذا لم تكن هناك توبة وكان الذنب الواحد يؤدي إلى النار، والعقاب سينال الإنسان فإنه يتمادى في المعصية. وهذا ما لا يريده الله سبحانه وتعالى لعباده، وفي الحديث الشريف:

" لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة ".

معنى الحديث.. رجل معه بعير يحمل ماله وطعامه وشرابه وكل ما يملكه. هذا البعير تاه في صحراء جرداء، بحث عنه صاحبه فلم يجده. لقد فقده وفقد معه كل مقومات حياته.. ثم ينظر فيراه أمامه.. كيف تكون فرحته؟.. طبعا بلا حدود. هكذا تكون فرحة الله تعالى بتوبة عبده المؤمن بل أشد من ذلك. إن الله تبارك وتعالى حين يفتح باب التوبة. يريد لحركة العالم أن تسير.. هب أن نفسا غفلت مرة أو قادتها شهوتها مرة إلى معصية أو وسوس الشيطان لها كما حدث مع آدم وحواء. لو لم تكن هناك توبة ومغفرة.. لانقلب كل هؤلاء إلى شياطين، بل إن أعمال الخير تأتي من الذين أسرفوا على أنفسهم، فهؤلاء يحسنون كثيرا ويفعلون الخير كثيرا.. مصداقا لقوله تعالى:

إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين

[هود: 114]. وقوله جل جلاله:

خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها..

[التوبة: 103]. إذن فكون الله سبحانه وتعالى يتوب على بني إسرائيل مع أنهم كفروا بالقمة في عبادة العجل.. فذلك لأن الله يريد استبقاء الخير في كونه، ولقد عبد بنو إسرائيل العجل قبل أن ينزل عليهم المنهج وهو التوراة، ولكن هل بعد أن أنزل عليهم المنهج والتوراة تابوا وأصلحوا أم استمروا في معصيتهم وعنادهم؟

[2.53]

الحق سبحانه وتعالى يذكر بني إسرائيل هنا.. أنه بعد أن أراهم من المعجزات الكثير، ونجاهم من آل فرعون وشق لهم البحر - كان لابد أن يؤمنوا إيمانا حقيقيا لا يشوبه أي نوع من التردد.. ذلك لأنهم رأوا وشهدوا، وكانت شهادتهم عين يقين. أي شهدوا بأعينهم ماذا حدث. ولكن هل استطاعت هذه المشاهدة أن تمحو من قلوبهم النفاق والكفر؟.. لا.. لقد ظلوا معاندين طوال تاريخهم. لم يأخذوا أي شيء بسهولة. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أمته من أن يكونوا كبني إسرائيل ويكونوا قوما شددوا فشدد الله عليهم، وكان ذلك بالنسبة لقصة البقرة التي أمروا أن يذبحوها ليعرفوا من القاتل في جريمة قتل كادت تثير حروبا بينهم، فأخذوا يسألون ما هي وما لونها إلى آخر ما سنتحدث عنه.. عندما نأتي إلى الآيات الكريمة الخاصة بهذه الواقعة. فلو ذبحوا أي بقرة لكفتهم.. لأنه يكفي أن يقول لهم الله سبحانه وتعالى اذبحوا بقرة فيذبحوا أي بقرة، وعدم التحديد يكون أسهل عليهم، ولكنهم سألوا وظلوا يسألون فشدد عليهم بتحديد بقرة معينة بذاتها.. ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم

" ذروني ما تركتكم فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ".

अज्ञात पृष्ठ