قال الشيخ: الشذان ما شد من الشيء، والهاء والميم في شذانهم عائدة إلى أصحاب الخارجي، أي يجمع ما شذ منهم إلى معظمهم، كما اجتمعت درة الحافل، أي هذا الطعن يجمعهم ليستأصل أخرهم، كما أن الحالب يوفر اللبن ليحتلبه أجمع، إنما يعني أن الطعن يجمع ليصيبهم القتل عن أخرهم وهذا نحو من قول الأول.
مَنْ للجَعافِرِ يا قَوْمِي فَقَد صرِيَتَ ... وقد تُنَاخُ لذاتِ الصَّرَيَةِ الَحلَبُ
يقال صري اللبن إذا كان في الضرع.
ومن التي أولها: أعلى المَمالكِ مايُبْني على الأسَلِ
الفاعِلُ الفِعلَ لم يُفْعَلْ لشِدَّتِهِ ... والقائل القَوْلَ لم يُتركْ ولم يُقل
قال الشيخ: يقول أفعال سيف الدولة تتركها، الناس، لأنها مستصعبة، وقوله) والقائل القول لم يترك ولم يقل (أي أنه ينطق بالحكمة التي لم يصل إليها سواه، وقوله) لم يترك (أي لم يترك القائلون طلبه، ولما لم يصلوا إليه كان كأنه لم يقل.
وقال الأحسائي: يقول إنه قد فعل أفعالًا قد عرفها الناس قبل فعله وتركوها عجزًا عنها، ويقول القول في البلاغة لم يسبق إليه ولا عرفه الناس قبله فتركوه عن عجز.
يا مَن يسيرُ وحُكمُ النَّاظِرينَ لَهُ ... فيما يَراهُ وحُكمُ القَلبِ في الجَذلِ
قال الشيخ: يعني بالناظرين ناظري الممدوح، أي له فيما يراه حكم ناظريه وقوله) وحكم القلب في الجذل (أي الفرح فإذا تمنى قلبه شيئًا وصل إليه، ومن روى الناظرين في معنى المنجمين فله معنى، ولا ينبغي أن يعدل عن الوجه الأولى لأن قوله) حكم القلب في الجذل (يشهد بأن الناظرين عينا الممدوح.
ومن التي أولها: بنا مَنك فوقَ الرَّملِ ما بكَ في الرَّملِ قوله:
تركْتَ خُدُودَ الغاِنياتِ وَفَوْقَها ... دموعُ تُذيبُ الحُسنَ في الأعينِ النُّجلِ
تَبُلُّ الثَرى سُودًا من المْسْك وَحْدهُ ... وقد قَطَرتْ حُمرًا على الشَّعَر الجَثلِ
قال ابن جني: معنى هذا البيت حسن جدًا، وذلك أنه يقول إن الدموع تقطر من أعين الغواني اللواتي يبكين عليك حمرًا، لأنهن يبكين دمًا، لإفراط حزنهن، فإذا وقع الدمع وهو أحمر على شعورهن وذوائبهن، وهي مضخمة بالمسك، وله في قوله) وحده (نكت حسن لطيف لأنه يريد أن السواد الذي يحصل في الدمع ليس هو إلا للمسك وحده وليس سواده لأن الكحل خالطه فاسود به، وكان غرضه في ذلك أنهن ليس يكتحلن في أعينهن ألا تراه يقول في موضع آخر: ليسَ التكحُّل في العَينين كالكَحَلِ فإن قيل إن مساقط الدموع إنما هي الخدان ونحوهما لا على الذوائب، قيل إنهن لما نشرن شعورهن وقعن على وجوههن فمر الدمع بهما فاسود منها.
وقال ابن فورجة: إنما وجه إذابة الدمع الحسن لأنه مما يفسد العين ويزيل حسنها كقول القائل:
أليسَ يَضيرُ العينَ أن تُكِثرَ البُكا ... ويُمَنعَ عنها نَوْمُها وسُروُرُها
وهذا ظاهر، وإنما دقة صنعته بقوله) يذيب الحسن (ولم يقل يزيد الحسن أو ما أشبهه، لأن الدمع لما كان يذيب الحسن أولًا فأولًا كان استعارة الإذابة بفعله أولى، كما قيل في الحب إذا هزل البدن أذابة، لأنه أخذ منه قليلًا قليلا وأيضا لما كان الذوب في معنى السيلان والدمع سائل فكأنه سال معه الحسن.
هل الوَلَدُ المَحُبوبُ إلا تَعِلَّةُ ... وهل خَلْوَةُ الحسْناءِ إلا أذَى البعْلِ
1 / 59