ليس يريد أن أماتها برابع من هذه البلاد التي ذكرت لأن خيل الروم غير مختارة وإنما يعني أنه طالما أوغل بها هذه المواضع، وأوغل أبوه بأماتها فيها فهي تعرفها. والغرض بعد الإيغال في بلاد العدو.
فِيها الكُماةُ التي مَفْطُومُها رَجلُ ... على الجيادِ التي حَوْلَّيها جَذَعُ
قال الشيخ ﵀: كان بعض من رد على أبي الطيب قد أدعى أنه قال) فيها الكماة (الذي مفطومها رجل على الجياد الذي (فاستعمل) الذي (في موضعين، وذلك مكذوب لا محالة، ولو صحت الرواية لكان له وجه، وهو أن يجعل الذي مبتدأ ويضمر بعده هو فيكون التقدير فيها الكماة الذي مفطومها رجل، ومثل ما حكاه الخليل عن العرب من قولهم: ما أنا الذي قائل لك شيئًا. أي بالذي هو قائل لك، وقالوا: الذي يذهب عليه سنة من وقت النتاج حولي وكثير استعمال ذلك حتى قالوا حولي الحصى يعنون صغاره، كذلك زعم بعض الناس ويجوز أن يكون الذي قالوا: أقلب حولي الحصى إنما أرادوا شبه الحصى إلى ما حول الإنسان لا إلى حول السنة.
يَذْرِي اللُّقانُ غُبارًا في مَناخِرِها ... وفي حَناجِرها من آلِسٍ جُرَعُ
قال ابن جني: أي لا تستقر فتشرب وتطمئن، إنما هي تختلس الماء اختلاسًا لما هي فيه من مواصلة السير والمجاولة، ويجوز أن تكون شربت قليلًا لعلمها بما يعقب شربها من السير والركض، وهكذا تفعل كرام الخيل وبذلك فسر بيت طفيل الغنوي:
أنَخْنَا فَسُمْنَاها النِّطَافَ فَشارِبُ ... قليلًا وآبٍ صَدَّ عَنْ كُل مَشْرَبِ
قال الشيخ أبو العلاء: حكي عن علي بن عيسى الربعي، وكان يذكر أنه قرأ ديوان أبي الطيب عليه في شيراز، وأن عضد الدولة أمره بذلك، أنه كان يروي) آلس (بضم اللام، فأما رواية الشاميين فبالكسر، ومعنى البيت أنه يصف الخيل بالسرعة فقد وردت الماء بآلس، وسارت حتى جاءت اللقان فأذرى الغبار في مناخرها ومعها بقية من ورد آلس وهو في حناجرها وهذه مبالغة عظيمة في الصفة بالسرعة، لا يجوز أن يكون مثلها، ونحو منه قول الأول:
خَلطنَ بِبَاقِي ما تَحلُّه غدوةً ... وقد رُحْن عنه ما ببطنِ الأُّميلح
وإنَّ القَطا الكُدريَّ يطلح دونّه ... وإن كُنَّ قد وافينَه غيرَ طُلَّح
كأنَّما تَتَلَّقاهُمْ لِتَسْلُكَهُمْ ... فالطَّعنُ يَفْتَح في الأجْوَافِ ما تَسَعُ
قال ابن جني: أي كأن خليه تتلقى الروم فتدخل فيهم، فالطعن يفتح أجوافهم ما يسع الخيل يصف سعة الطعن وعظمه.
دُونَ السِّهامِ ودونَ الفَرِّ طافِحَةً ... على نفوسِهمِ المُقَوَّرَةُ المُزُعُ
قال ابن جني: سألته عن معنى هذا البيت فقال إن هذه الخيل أشرقت على نفوسهم، وطفحت عليها فقد صارت أقرب إلى نفوسهم من السهام ومن أن يفروا، يصف سرعة الخيل وأنها قد ركبتهم وتغشتهم.
وقال الشيخ ﵀: طافحة يجوز فيها الرفع والنصب فإذا نصبت فهي حال من الجياد التي تقدم ذكرها، وإذا حمل على هذا الوجه) فالمقورة (بدل من الضمير الذي في) طافحة (ويحتمل أن تكون) طافحة (حالًا من المقورة كما يقال في الدار قائمًا أخوك. وهذا الوجه أحسن من الوجه المتقدم وترفع) المقورة (على أنها في تقدير المبتدأ كأنه قال دون الهام ودون الفر المقورة طافحة على نفوسهم وإذا رفعت) طافحة (جاز أن تكون) المقورة (في تقدير المبتدأ ويكون قوله) دون السهام ودون الفر (كالظرف الملغي إذا تقدم فقيل في الدار قائم أخوك، ومن: قال قائم أخوك وهو يجعل قائمًا مبتدأ وأخوك قد سد مسد الخبر وهو فاعل جاز أن يرفع) المقورة (بأنها فاعلة طافحة وقد سدت مسد الخبر، وطافحة مبتدأ أن يجعل الكلام تامًا عند قوله طافحة على نفوسهم أي ذاهبة طفحت على النفوس ثم يجعل المقورة المزع بدلًا منها.
أجَلُّ مِنْ وَلدَ الفُقَّاسِ مُنكَتِفُ ... إذْ فاتَهُنَّ وأمْضَى مِنه مُنْصِرَعُ
1 / 48