ويَمنَعُنِي مَّمنْ سِوَى ابن مُحَمَّدٍ ... أيادٍ لَهُ عِندي يَضِيقُ بها عِندُ
قال أبو العلاء: عند يحكي فيها) عند وعند وعند (حكى ذلك يونس. وهي من قولهم:) عند ذا مال (وإذا قال القائل كذا وكذا عند فلان، فالمعنى أنه في الموضع الذي يميل إليه، وكانت) لعند (سعة وليست لغيرها من الظروف وذلك أن الجهات ست: أمام ووراء، وتحت، وفوق، ويمين، وشمال، وكل واحدة من هذه الجهات مختصة بناحية و) عند (تقع على جميعها فلذلك حسن قول القائل) يضيق بها عند (.
يكادُ يًصِيبُ الشّيءَ مِن قبل رَمِبِهِ ... ويُمكِنُهُ في سَهمِهِ المُرسَلِ الرَّدُّ
وقال ابن جني: يمكنه معطوف على يصيب لا على يكاد.
وقال أبو العلاء: قوله يمكنه معطوف على يصيب، قول فيه تخليص للشاعر من المبالغة في الكذب، لأنه قال يكاد يصيب الشيء فهو لم يصبه، فإذا عطف يمكن على يصيب فالمعنى ويكاد يمكنه في سهمه، وإذا جعل يمكنه معطوفا على يكاد فقد حكم بأنه يمكنه أن يرد سهمه المرسل، وهذا أشد في المبالغة واحسن في نقد الشعر.
بنَفسِي الذي لا يُزدَهَي بِخَديعَةٍ ... وَأن كَثُرتْ فيه الذَّرائِعُ والقَصدُ
قال ابن جني: كأنه قال بنفسي غيرك أيها الممدوح، لأني أنا أزدهيك بالخديعة وأسخر منك بهذا القول، لأن هذا مما لا يجوز مثله، وإنما هو سخر مني بك وهذا مذهبه وهو كقوله:
فأن نِلتُ ما أمَّلتُ منك فَرُبمَّا ... شَرِبتُ بِماءٍ يُعجِزُ الطَّيرَ وِردُهُ
قال أبو العلاء: المعنى الذي قصده الشاعر أنه قال بنفسي الذي لا يخدع ولا يغر ولا يجوز عليه تمويه القائلين، والمعنى بنفسي أفديه، والمعنى الذي ذكره أبو الفتح ﵀ بعيد لا يليق بالممدوح.
مَضى وَبَنُوهُ وانفَرَدْتَ بِفَصلِهِم ... وألفٌ إذا ما جُمَّعَتْ وَاحِدٌ فَردُ
قال أبو العلاء: الألف مذكر وقال جمعت فأنث، لأنه ذهب مذهب الجماعة، لأنه آحاد كثيرة، وإذا جعل الألف أجزاء على مائة أو دون ذلك فهو جماعة، فلذلك أنث في هذا الموضع، وبعض العرب يقول في الألف:) عشر مائة (وقالوا في جمع ألف آلاف، وعلى ذلك أكثر الاستعمال مثل زند وأزناد. وفرخ وأفراخ قال الأعشى:
وُجِدتَ إذَا اصطَبَحُوا خَيرَهُمْ ... وَزَندُكَ أثقَبُ أزنَادِهَا
وقال الحطيئة:
ماذا تَقولُ لأفرَاخٍ بِذي مَرَخٍ ... حُمرِ الحَوَاصِلِ لا مَاءٌ ولا شَجَرُ
وقالوا آلف وهي قليلة والجمع الكثير ألوف.
وأردِيةٌ خُضرٌ وَمُلكٌ مُطاعَةٌ ... وَمَركوزَةً سُمرٌ وَمُقرَبَةٌ جُردُ
قال ابن جني: أردية خضر يقول هم ملوك وأنت الملك لأنه ذهب إلى السلطان وهو مؤنث.
قال أبو العلاء: المعنى أنه أراد بالأردية السيوف، ومعروف عند العرب أنهم يسمون السيف الرداء، ومن ذلك قول عمرو بن شأس:
كأنَّ رِدَاءَيُهِ إذا قَامَ عُلِّقَا ... على جِذعِ نَخلٍ لا سَحُوقٍ ولا بَالِ
يعني رداءه وسيفه، وقد جاء هذا المعنى مشروحا في بعض الشعر كقوله:
يُنازِعُني رِدَائِي عَبُد شَمسٍ ... رَويدَكَ يا أخَا سَعدِ بنِ بَكرِ
لي الشَطرُ الذي مَلكتْ يَميني ... ودونَكَ فاعتَجِر منه بشطرِ
وملك جمع ملك مثل تمر وتمر، وبيت ابن أحمر يحمل على وجهين:
مدَتْ عليه المُلكُ أقطارَهَا ... كأسٌ زَنَوناةٌ وطِرفٌ طِمِرْ
قيل ملك جمع ملك وقيل بل أراد المملكة فأنث.
ومَا عِشتُ ما ماتُوا وَلا أبَواهُمُ ... تَمِيمُ بنُ مُرٍّ وابن طابِخَةٍ أُدُّ
قال أبو العلاء: يقول بنو سيار بن مكرم لم يموتوا ما دمت أيها الممدوح في الحياة. وكذلك لم يمت أبواهم، جعل الجدين القديمين أبوين، وكذلك موضوع اللغة لأن الرجل يقول: أبي آدم وبينهما ما شاء الله، وتميم بن مر بن أد بن طابخة وأد يقول بعض الناس هو من الود قلبت الواو همزة لوقوعها مضمومة في أول الاسم ويجوز أن يكون اشتقاق أد من كل لفظ يشتق منه أدد.
ومن التي أولها: لَقَدْ حازَني وَجدٌ بِمَن حازَهُ بُعدُ
أسَرُّ بتَجدِيدِ الهَوَى ذِكرَ ما مَضَى ... وإنْ كانَ لا يَبقَى لَهُ الحَجَرُ الصَّلدُ
قال ابن جني: يقول أسر بتذكر ما خلا من اللذة، وإن كان ذلك لا يبقي عليه الحجر الصلد تأسفا وحنينا إليه.
1 / 29