على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يموسى اجعل لنآ إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون
[الأعراف: 138-139] قد رأيتم من العبر، وسمعتم ما يكفيكم. ومضى فأنزلهم موسى منزلا وقال لهم: أطيعوا هارون فإني قد استخلفته عليكم، فإني ذاهب إلى ربي، وأجلهم ثلاثين يوما أن يرجع إليهم فيها، فلما أتى ربه [أراد] أن يكلمه في ثلاثين يوما، وقد صامهن: ليلهن ونهارهن، وكره أن يكلم ربه وريح فيه ريح فم الصائم، فتناول موسى من نبات الأرض شيئا فمضغه، فقال له ربه حين أتاه: لم أفطرت؟ - وهو أعلم بالذي كان، قال: يا رب إني كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح، قال: أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم أطيب من ريح المسك؟، ارجع فصم عشرا، ثم ائتني، ففعل موسى عليه السلام ما أمره به، فلما رأى قوم موسى أنه لم يرجع إليهم في الأجل ساءهم ذلك، وكان هارون قد خطبهم وقال: إنكم خرجتم من مصر، ولقوم فرعون عندكم عواري وودائع، ولكم فيهم مثل ذلك، وأنا أرى أن تحتسبوا ما لكم عندهم، ولا أحل لكم وديعة استودعتموها، ولا عارية، ولسنا برادين إليهم/ شيئا من ذلك، ولا ممسيه لأنفسنا، فحفر حفيرا، وأمر كل قوم عندهم من ذلك من متاع أو حلية أن يقذفوه في ذلك الحفير، ثم أوقد عليه النار فأحرقه، فقال: لا يكون لنا ولا لهم.
وكان السامري من قوم يعبدون البقر، جيران لبني إسرائيل، ولم يكن من بني إسرائيل، فاحتمل مع موسى وبني إسرائيل حين احتملوا فقضي له أن رأى أثرا فأخذ منه قبضة، فمر بهارون فقال له هارون عليه السلام: يا سامري ألا تلقي ما في يدك؟ وهو قابض عليه لا يراه أحد طوال ذلك، فقال: هذه قبضة من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر، فلا ألقيها بشيء إلا أن تدعو الله إذا ألقيت أن يكون ما أريد، فألقاها ودعا له هارون، فقال أريد أن تكون عجلا، فاجتمع ما كان في الحفرة من متاع أو حلية أو نحاس أو حديد فصار عجلا أجوف ليس فيه روح له خوار.
قال ابن عباس: لا والله ما كان له صوت قط، إنما كانت الريح تدخل من دبره وتخرج من فيه، فكان ذلك الصوت من ذلك.
فتفرق بنو إسرائيل فرقا، فقالت فرقة: يا سامري، ما هذا وأنت أعلم به؟ قال: هذا ربكم، ولكن موسى أضل الطريق، فقالت فرقة: لا نكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى، فإن كان ربنا لم نكن ضيعناه وعجزنا فيه حين رأينا، وإن لم يكن ربنا فإنا نتبع قول موسى.
وقالت فرقة: هذا عمل الشيطان، وليس بربنا، ولن نؤمن به، ولا نصدق، وأشرب فرقة في قلوبهم الصدق بما قال السامري في العجل وأعلنوا التكذيب به، فقال لهم هارون: يا قوم إنما فتنتم به، وإن ربكم الرحمن، [هكذا] قالوا: فما بال موسى وعدنا ثلاثين يوما ثم أخلفنا؟ هذه أربعون قد مضت. فقال سفهاؤهم: أخطأ ربه فهو يطلبه ويتبعه، فلما كلم الله موسى عليه السلام وقال له ما قال، أخبره/ بما لقي قومه من بعده، فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا، قال لهم ما سمعتم في القرآن وأخذ برأس أخيه يجره إليه، وألقى الألواح من الغضب، ثم إنه عذر أخاه بعذره، واستغفر له، فانصرف إلى السامري فقال له ما حملك على ما صنعت، قال: قبضت قبضة من أثر الرسول وفطنت إليها، وعميت عليكم، فقذفتها
وكذلك سولت لي نفسي * قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا
[طه: 96-97]، ولو كان إلها لم نخلص إلى ذلك منه، فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة، واغتبط الذين كان رأيهم فيه مثل رأي هارون، فقالوا: - لجماعتهم - يا موسى سل لنا ربك أن يفتح لنا باب توبة نصنعها فيكفر عنا ما عملنا، فاختار موسى قومه سبعين رجلا لذلك، لا يألوا الخير، خيار بني إسرائيل ومن لم يشرك في العجل، فانطلق بهم يسأل لهم التوبة، فرجفت بهم الأرض واستحيا نبي الله صلى الله عليه وسلم من قومه ومن وفده حين فعل بهم ما فعل، فقال
لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهآء منآ
[الأعراف: 155] وفيهم من كان الله اطلع منه على ما أشرب قلبه من حب العجل وإيمان به، فلذلك رجفت بهم الأرض، فقال:
अज्ञात पृष्ठ