وجاء التصريح بهذا في الحديث الصحيح:
فقد جاء رجل إلى رسول الله ﵌ فقال: «من أحق الناس بحسن صحابتي (١)؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك». فذكر الأب في الثالث (٢). وفي طريق آخر للحديث، ذكره في الرابعة (٣).
ولقد كان لها هذا بما ذكر من مزيد تعبها، وضعف جانبها، ورقة عاطفتها، وشدة حاجتها.
فكان هذا الترجيح لجانبها من عدل الحكيم العليم ومحاسن الشرع الكريم.
ومن الإحسان إليهما طاعتهما في الأمر والنهي، ومن عقوقهما مخالفتهما فيهما.
وإنما تحل له مخالفتهما إذا منعاه من واجب عيني، أو أمراه بمعصية، لما في الصحيح من قوله ﵌: «لا طاعة لأحد في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف» (٤)، وعند الحاكم وأحمد: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق!» (٥).
ومن الدليل على رجحان جانبهما على الواجب الكفائي:
ما ثبت في الصحيح من حديث الرجل الذي أتى النبي- ﵌ يستأذنه في الجهاد فقال: «أحي والداك؟» قال: نعم. قال: «ففيهما فجاهد» (٦).
ومن الطريق الثاني، قال عبد الله بن عمر (٧) ﵁: «أقبل رجل إلى النبي ﵌ فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد ابتغاء الأجر من الله. قال: فهل من والديك أحد حي؟ قال: نعم، بل كلاهما. قال: فتبغي الأجر من الله؟ قال: نعم. قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما».
_________
(١) الصحابة هنا بمعنى الصحبة.
(٢) أخرجه بهذه الرواية ابن ماجة في الأدب باب ١، من حديث أبي هريرة.
(٣) أخرجه بهذه الرواية البخاري في الأدب باب، ومسلم في البر حديث ١، كلاهما من حديث أبي هريرة. وأخرجه أحمد في المسند (٣/ ٥) من حديث بهز بن حكيم، و(٥/ ٥) من حديث معاوية بن حيدة.
(٤) من حديث علي بن أبي طالب. أخرجه مسلم في الإمارة حديث ٣٩. وأبو داود في الجهاد باب ٨٧. والنسائي في البيعة باب ٣٤. وأحمد في المسند (١/ ١٣١،١٢٩).
(٥) وجدته في مسند أحمد (٥/ ٦٦) من حديث الحكم بن عمرو الغفاري مرفوعًا بلفظ: «لا طاعة لمخلوق في معصية الله». وهو بهذا اللفظ: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» في مصنف ابن أبي شيبة (١٢/ ٥٤٦) والدر المنثور للسيوطي (٢/ ١٧٧) وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي (٣/ ١٤٥، ١٠/ ٢٢) وتاريخ أصفهان لأبي نعيم (١/ ١٣٣).
(٦) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. أخرجه البخاري في الجهاد باب ١٣٨، والأدب باب ٣. ومسلم في البر حديث٥. وأبو دأود في الجهاد باب ٣١. والنسائي في الجهاد باب٥. وأحمد في المسند (٢/ ١٧٢،١٦٥،١٨٨،١٩٣،١٩٧،٢٣١).
(٧) كذا في الأصل "ابن عمر" والصواب "ابن عمرو" فإن الحديث بهذا اللفظ رواه مسلم في البر والصلة والآداب (حديث رقم ٦) عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
1 / 68