المبحث الثاني:
أفاد هذا الشرط أن من لم يرد الآخرة لم يكن سعيه مشكورًا.
وفي هذا تفصيل:
أ- لأن العامل إما أن يكون في عبادته لم يرد بها الآخرة أصلًا، بل أراد بها شيئًا دنيويًا من محمدة الخلق، أو استفادة شيء، أو تحصيل منفعة العمل.
أو أراد الآخرة، وشيئًا مما ذكر شركة متساوية أو متفاوتة.
ب- وإما أن يكون في عمل عادة، لم يرد بها الآخرة أصلًا؟ بل أراد الغرض الدنيوي.
أو أرادهما معا، والدنيوي وسيلة للأخروي.
فهنالك إذن اقسام:
القسم الأول:
العامل في أمر تعبدي كالصلاة، والصدقة، والحج، والعلم، فهذا إذا لم يرد الآخرة أصلًا فهو موزور غير مشكور، وفيه جاء حديث أبي هريرة في الصحيح قال: سمعت رسول الله ﵌ يقول:
«إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى القي في النار.
ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فماذا عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارىء، فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلاّ أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد. فقد قيل: ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار» (١).
وهذا الذي كان من هؤلاء هو الرياء وهو: أن يفعل العبادة ليقال إنه مطيع. وما دخل الرياء في عبادة إلاّ أحبطها، ولو كان قليلا؛ لحديث أبي هريرة في الصحيح: قال رسول الله ﵌:
«قال الله ﵎: أنا أغنى الشركاء عن الشِّرْك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري
_________
(١) أخرجه مسلم في الإمارة حديث ١٥٢. والنسائي في الجهاد باب٢٢. وأحمد في المسند (٢/ ٣٢٢).
1 / 53