فإرث سليمان للملك هو من المعنى الأول فداود بعد موته لم يبق ملكًا، وإرثه للعلم والنبوة هو من المعنى الثاني فداود بعد موته على علمه ونبوته.
تفرقة أخرى:
إذا كان الموروث مالًا فإنه يستحق بالقرابة شرعًا.
وإذا كان علمًا أو نبوة أو ملكًا فإنها لا تستحق بها.
فلم يرث سليمان من داود ما ورثه منه لأنه ابنه، وإنما كان ذلك تفضلًا من الله ونعمة، ولهذا لما دعا سليمان الناس لم يذكر لهم أبوة داود، وإنما ذكر لهم ما كان به أهلًا لمقامه، مما خصه الله به من علم وقوة، ومظاهر الملك ومعجزة النبوة.
عجائب الخلقة وحكمة العربية:
للحيوانات كلها (١) فهم وإدراك وأصوات تدل بها على ما في نفسها، وتتفاهم بها أجناسها بعضها عن بعض. ومن تلك الأصوات ما يكون أخفى من أن يصل إليه سمعنا؛ ومنها ما نسمعه، ومما نسمعه ما نفهم مرادها به ومنه ما لا نفهمه، فلا نسمع صوت النملة ولكننا نسمع صوت الهرة- مثلًا- ونميز بين صوتها الذي تدل به على غضبها، وصوتها الذي تدل به على طلبها. وفي مملكة النمل ومملكة النحل- مثلًا- من النظام والترتيب والتقدير والتدبير، ما لا يبقى معه شك فيما لهذه الحيوانات من إدراك وتمييز، وما بينها من تفاهم، بل كثير من الحيوانات تصير بالترويض تفهم عنا كثيرًا من العبارات والإشارات، وتأتي بالأعمال العجيبة طبق ما يراد منها وتدل عليه فهذا أصل ما بلغت إليه من إدراكها ونطقها اللذين أخبر بها القرآن.
وتلك الغاية من الإدراك والنطق، لا سبيل لنا إليها لاختلاف الخلقة وجهل مدلولات الأصوات.
وقد أدركها سليمان- ﵇ بتعليم من الله كرامة له، وآية على نبوته، ومعجزة للناس.
فمن حكمة اللغة العربية الشريفة، أن سمت أصوات الحيوانات نطقًا، كما سمت- في المتعارف- اللفظ الذي يعبر به عما في الضمير نطقًا، لأن الأصوات لغير الإنسان تقوم مقام الألفاظ للإنسان، فهي طريق تفاهمها وطريق فهم ما يمكن للإنسان فهمه عنها.
فلله هذه اللغة ما أعمق غورها! وما أدق تعبيرها.
نظر وإيمان:
قد شوهد بالعيان في أنواع من الحيوانات: حسن تدبيرها لأمر معاشها، ودقة سعيها في