فالأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام- أولو هذا المقام الجليل: مقام التذكير، ثم من بعدهم ورثتهم من العلماء العاملين.
تذكير النبي:
قد كان النبي- ﵌ على سنة إخوانه من الأنبياء والمرسلين- عليهم الصلاة والسلام- في القيام بتذكير العباد، ممتثلا أمر ربه تعالى بقوله: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾ [الغاشية: ٢١، ٢٢]. إذ السيطرة لا تكون على القلوب؛ والإيمان -وهو من أعمال القلب- لا يكون بالإكراه، وإنما بذكر الحجج والأدلة، وكذلك سنة المرسلين في الدعوة إلى الله، كما قصها علينا القرآن الكريم في كثير من السور والآيات.
ما كان يذكر به النبي:
كان- ﵌ يذكرهم بقوله وعمله وهديه وسمته، ذلك كله منه على وفق هداية القرآن وحكمه. وقد قالت عائشة الصديقة رضوان الله عليها، لما سئلت عن خلقه قالت: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ».
فكان تذكيره كله بآيات القرآن: يتلوها، ويبينها بالبيان القولي والبيان العملي، ممتثلًا في ذلك كله أمر ربه تعالى بقوله: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق: ٤٥].
فالقرآن وبيانه القولي والعملي من سنة النبي ﵌؛ بهما يكون تذكير العباد، ودعوتهم لله رب العالمين.
ومن حاد في التذكير عنهما ضل وأضل، وكأن ما يضر أكثر مما ينفع إن كان هناك من نفع.
من كان يذكرهم النبي؟:
كان- ﵌ لا يفتأ مذكرًا للمؤمنين والكافرين والله يهدي من يشاء ويوفق من يريد. وقد أمر بالتذكير مطلقًا في قوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾.
وكانت سيرته العملية في التذكير هي العمل بهذا الإطلاق، فما كان يخص قومًا دون قوم في الدعوة والتذكير، فكانت هاته السنة العملية، دليلًا على أن ما جاء على صورة التقييد في بعض الآيات ليس المراد منه التقييد، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ [الأعلى: ٩].
فالشرط الصوري هو للاستبعاد، أي استبعاد نفع الذكرى فيهم. ولا يزال من أساليب العربية في لسان التخاطب الدارج بيننا قول الناس لبعضهم: «كلمه في كذا إذا نفع فيه الكلام» استبعادًا لنفعه فيه.
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾. فليس ذكر المفعول للتقييد، وإنما هو للتنبيه على أنه هو الذي ينتفع بالتذكير، نظير قوله تعالى: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾.
1 / 26