{ وإذا طلقتم النسآء } مطلقا { فبلغن } سمى مقاربة الأجل بلوغا للجوار أو للمشارفة ، أو لتسبب المقاربة للوقوع ، وتبعد الاستعارة تشبيها للدانى بالواقع ، وكأنه قيل قاربن { أجلهن } الأجل مطلق اللحظة التى تلى المدة ، أو اللحظة الأخيرة من المدة ، أو نفس المدة ، والمراد هنا آخر العدة بقدر ما يراجع ، بدليل قوله { فأمسكوهن } بالمراجعة { بمعروف } من الحقوق بلا ضرر ، وذلك تسمية للجزاء باسم الكل ، أو يقد مضاف ، أى آخر الأجل ، وظاهر بعض أن الأجل بمعنى آخر المدة حقيقة أيضا ، والأولى أنه مجاز للمشارفة أو استعارة ، تشبيها لقريب الوقوع بالواقع { أو سرحوهن بمعروف } دعوهن بلا مراجعة فيخرجن عنهم ، ويتزوجنهم برضاهن أو غيرهم ، كأنه قيل ، ابقوهن على حكم التطليق الواقع حتى يفتن ، وإذا جازت المراجعة فى آخر المدة فأولى أن تجوز قبل الأخير فلم يذكر ذلك للعلم به ، ولأن الذى يفلعونه هو الرجعة آخر العدة ضرارا { ولا تمسكوهن } بالمراجعة { ضرارا } أى ضرا ، أو سمى فعلها الذى كان سببا لضره ضرا للمشاكلة على عموم المجاز ، فصحت المفاعلة فتدخل من لم تضره بالأولى { لتعتدوا } عليهن بإطالة الحبس ، أو بالإلجاء بذلك إلى الفداء ، كما فعل ذلك ثابت بن يسار ، كلما بقى يومان أو ثلاثة راجعها فطلقها حتى مضت لها تسعة أشهر ، ونزلت الأية فيه على ما روى عن السدى ، ولتعتدوا بدل من ضرارا ، أو علة للعلة والمعلول معا ، ويتعين هذا الوجه إذا جعلنا ضرارا بمعنى مضارين ، أو ذوى ضراء ، أو ضرارا عاقبة ولتعتدوا علة فيتعلقان معا بلا تمسكوهن ، والمعنى لضرار ، وفى جمعها تأكيد كما فى الجمع بين قوله D ، فأمسكوهن ، ولا تمسكوهن ألا ترى أن الأمر بالشىء نهى عن ضده الذى لا ضد له إلا هو ، ولكن الأمر لا يعم الأوقات ، والنهى للتكرير ، وقيل : الضرار تطويل المدة ، والاعتداء الإلجاء { ومن يفعل ذلك } الإمساك المؤدى للضرار { فقد ظلم نفسه } بتعريضها للعقاب المترتب عليه بالضرار ، كان الرجل يطلق زوجته حتى إذا شارفت انقضاء العدة راجعها ليطيل عدتها لأنها تعتد بالأخير { ولا تتخذوآ ءايت الله هزوا } مهزوءا بها ، أو ذات هزء بألا تعملوا بها ، وبأن تراجعوا بلا رغبة بل لإضرار ، وبأن ينكح ويطلق ويعتق ، ثم يقول ، أنا ألعب ، ونزلت الآية لذلك ، وقال A : « ثلاثة جدهن جد ، وهزلهن جد ، النكاح والعتاق والطلاق » ، ولفظ أبى الدرداء ثلاث ، اللاعب فيهن كالجاد ، النكاح والطلاق والعتاق ، ولفظ أبى هريرة : ثلاث هزلهن جد ، النكاح والطلاق والرجعة ، كل ذلك مرفوع ، وعن عمر عنه A ، « أربع مغفلات ، النذر والطلاق والعتق والنكاح » بالشكر والقيام بحق النعمة { نعمت الله عليكم } كالهداية ورسالة النبى A { ومآ أنزل عليكم من الكتب } القرآن { والحكمة } عطف خاص على عام . والحكمة القرآن ، أى الجامع بين أنه قرآن وحكمة ، أو هى القرآن والسنة ، أو السنة ، كما قال الشافعى معرفة الدين والفقه فيه والاتباع له ، كما قال ابن وهب عن مالك ، والفصل بين الحق والباطل ، كما قيل ، والإصابة فى القول والعمل كما قيل ، والموعظة كما قال مقاتل ، أعنى ، أن الآية لجميع ذلك ، وأصل الحكمة الرد وتلك المعانى ترد عن الجهل والخطأ { يعظكم به } يوصيكم ترغيبا وترهيبا { واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شىء عليم } فهو لا يأمر إلا بما هو حكمة ويجازيكم على الموافقة والمخالفة فيما مضى من الأحكام وغيرها كالعضل فى قوله تعالى :
{ وإذا طلقتم } أى أيها الأزواج { النسآء فبلغن أجلهن } اللحظة بعد تمام العدة ، أى انقضت عدتهن { فلا تعضلوهن } لا تمنعوهن أيها الأولياء ، وفى الآية جواز تعدد المخاطب ، بأن يخاطب ببعض الكلام غير المخاطب ببعضه الآخر فالحق الجواز إذا بان المراد ، كما جاء فى غيره هذه الآية الخطاب بالكاف للنبى A ، وبالكاف والميم للأمة { أن ينكحن } يتزوجن { أزوجهن } أى من كانوا أزواجا لهن ، فذلك من مجاز الكون .
طلق عاصم بن عدى زوجه جمل ، وقيل جميل بالتصغير ، وأراد تزوجها بعد انقضاء العدة ورضيت ورضى أخوها معقبل بن يسار فزوجه بها ثانيا ، ثم طلقها ثانيا ، وطلبها ابن عم له بعد العدة للتزوج ، ومنعها أخوها معقل بن يسار ، وهو ابن عم عاصم أيضا ، وحلف ألا يزوجها أبدا لأحد ، فنزلت الآية فزوجها بابن عمه الآخر ، فكفر يمينه .
وروى البخارى وأبو داود والنسائى والحاكم وابن ماجه والترمذى عن معقل بن يسار ، كانت لى أخت فأتانى ابن عم لى فأنكحتها إياه ، فكانت ، عنده ما كانت ، ثم طلقها تطليقة ولم يراجعها حتى انقضت العدة ، فهوتها وهويته ، ثم خطبها مع الخطاب فقلت له : يالكع ، أكرمتك بها وزوجتكها ، وطلقت ثم جئت تخطبها ، والله لا ترجع إليك أبدا ، وكان رجلا لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، وعلم الله حاجته إليها وحاجتها إليه فأنزل هذه الآية ، قال : ففى نزلت ، فكفرت عن يمينى ، وأنكحتها إياه ، وفى لفظ ، فلما سمعها معقل قال : سمعا لربى وطاعة ، ثم دعاه ، فقال : أزوجها وأكرمها .
وقيل : الخطاب فى تعضلوهن للأزواج المطلقين لهن ، فيكون المراد بالأزواج فى قوله : أن ينكحن أزواجهن ، من أردن أن يكون بعد العدة زوجا غير الأول وسمى غير الزوج زوجا لأن حبهن لأن يكون زوجا لهن سبب لتزوجهن به فكأنه من مجاز الأول ، ومن لم يشترط فى مجاز الأول التحقق ولا الرجحان ، بل مطلق الإمكان فظاهر أنه منه ، وكان أهل الجاهلية يمنعون من طلقوهن أن يتزوجن غيرهم ، ترفعا أن يطأها غيره ، وقيل : الخطاب فى تعضلوهن من للأولياء والأزواج ، أى لا يمنعهن الأزواج المطلقون عن تزوج أزواج آخرين ، ولا الأولياء ، عن تزوج المطلقين لهن ، وقيل الخطاب للناس كلهم ، أى لا يكون فيكم عضل بمنع ولا برضاء به عن المطلقين ولا عن غيرهم ، فيكون عموم المجاز ، ويجوز كون الخطاب أيضا فى طلقتم للأولياء والأزواج من عموم المجاز ، لأن الأولياء سبب لأنهم يعرضون لتخليص وليتهم من الأزواج إذا { ترضوا بينهم } أى الأزواج والنساء ، رضى كل منهم الآخر ، وإذا عائد إلى ينكحن ، وإن جعلنا عائدا إلى تعضلوهن فلأن التراضى معتاد ، لا لتجويز العضل إذا لم يتراضوا { بالمعروف } اللائق شرعا وعادة ومروة { ذلك } المذكور من أحكام الطلاق والإيلاء واليمين ، أو ما فى السورة ، أو النهى عن العضل ، وإفراد الخطاب للعموم البدلى ، أوله A ، أو تأويل الفريق الأزواج أو الأولياء ، ولا يصح ما قيل إن الكاف لمجرد الخطاب ، إذ لا خطاب بلا مخاطب ، بفتح الطاء { يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر } هذا بإعادة كاف ذلك لرسول الله A ، كقوله تعالى :
पृष्ठ 276