وأما ما يقال إنه كان صخر يدخل على زوج سليمان فيطؤها فمنكر لا يصح ، لأن أزواج الأنبياء محفوظة من ذلك ، ولو كن مشركات ، وأمر الجن فأحضروه فحبسه فى صخرة ، فسد عليه بالرصاص والحديد فى قعر البحر { ومآ أنزل } عطف على ما تتلوا أو على السحر ، كأنه قيل ، ويعلمونهم ما أنزل { على الملكين } من ملائكة الله ، أو رجلين كالملكين فى الصلاح ، والإنزال على ظاهره ، أو بمعنى الإلهام ، وما أنزل عليهما نوع من السحر قوى ، بل نوع غير السحر . كما يدل له العطف ، وعلى أنه من السحر فالعطف لتنزيله بالقوة منزلة تغاير الذات { ببابل } فى بابل ، بلد فى سواد الكوفة ، وعن ابن مسعود ، هو أرض الكوفة ، قيل من نصيبين إلى رأس العين ، سميت لتبلبل ألسنة الناس عند وقوع صرح نمروذا ، ولأن الله حشر الناس بالريح لهذه الأرض ، فلم يدر أحد ما يقول الآخرة ، ثم فرقتهم الريح فى البلاد ، كل بلغته ، فالبلبلة تفرقهم عن بابل ، أو تغاير الألسنة فيها ، والتغاير تفرق ، ونزل نوح بلدة بثمانين إنسانا ، سميت بهم فأصبحوا يوما وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة ، وقيل سميت بهذه الثمانين لغة { هروت ومروت } لفظان عجميان ، وقيل عربيان من الهربت والمرت بمعنى الكسر ، ويرى منع الصرف ، وسامها غرا وغرايا ، فلما أذنبا سميا باسم الكسر ، أباح الله لهما ملكين ، أو بشرين تعليم السرح ابتلاء من الله D للناس ، هل يتعلمونه ، وهل يعلمون به ، كما أن الله خلق المعصية ، ونهى عنها ، وخلق المحرمات كالخنزير ، ونهى عن تناولها ، وكما ابتلى قوم طالوت بالشرب من النهر ، أو ليتميز السحر من المعجزة ، إذ كثر فى ذلك الزمان مع ادعاء النبوة به .
وأما ما روى أنهما ملكان من أعيد الملائكة تعجبت الملائكة من كثرة ذنوب الناس وعظمها ، فقال الله : لو ركبت فيكم ما ركبت فيهم من الشهاوى لعصيتم مثلهم ، فقالوا : سبحانك ما كان ينبغى لنا ذلك ، فقال : اختاروا من هو أعبدكم ، فاختاروهما ، فركبها فيهما ، وأمرهما بالقضاء بين الناس ، ويصعدان مساء ، فاختصمت إليهما امرأة من لخم ، أو فارسية ملكة مع زوجهان فراوداها فشرطت أن يقضيا لها عليه ، فقضيا لها ، ثم أن يقتلاه فقتلاه ، وأن يشربا خمرا ، ويسجدا للصنم ففعلا ، وأن تعلمانى الاسم الذى تصعدان به فعلماها ، فصعدت ، فمسخت زهرة ، فلم يقدروا على الطلوع فالتجآ إلى إدريس فى عصرها ، فشفع لهما أن يختارا عذاب الدنيا أو الآخرة ، فاختارا الأولى ، لأنه ينقطع ، وعلقا بشعورهما ، أو منكوسين يضربان بسياط الحديد إلى قيام الساعة فبعيد ، وهو ممكن ، ولا يحكم بالكفر على قائله ، لأنه لم يثبت لها تلك المعاصى مطلقا ، بل قال ، ركب لله فيهما ما ركب فى البشر من الشهوة ، وذلك من حين أنزلا ، وليس متأخرا إلى وقت القضاء بين المرأة وزوجها ، فلا يعارض بعصمة الملائكة ، لأن الله أخرجها من شأنهما إلى شأن البشر ، وقول الملائكة ، سبحانك .
पृष्ठ 119