فهذه الأمور من المراتب الإلهية، ولوازمها من الأمور العامة، وهي التي تعرض للموجودات الإمكانية لقصور درجتها عن درك المراتب الإلهية.
فاعلم ان حكم الغضب الإلهي تكميل مرتبة قبضة الشمال، فإنه وإن كانت كلتا يديه المقدستين يمينا مباركة، لكن حكم كل واحدة منهما يخالف الأخرى، والشمالية واليمينية، باعتبار أصحابهما فلهذا قال:
والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه
[الزمر:67]. فجعل الأرض مقبوضة والسماء مطوية، فافهم.
فلليد الواحدة - المضاف إليها عموم السعداء - الرحمة والجنان، وللأخرى العذاب والنيران.
ولكل منهما دولة وسلطنة يظهر حكمها في السعداء القائمين بشروط العبودية وحقوق الربوبية حسب المقدور، وفي الأشقياء المعتدين الجائرين المنحرفين عن سنن الاستقامة ومسلك الاعتدال، المفرطين في حقوق الإلهية، والمضيفين إلى أنفسهم ما لا يستحقونه.
وغاية حظهم من تلك الأحكام ما اتصل لهم بشفاعة ظاهر الصورة الإنسانية المحاكية لصورة الإنسان الحقيقي، وشفاعة نسبة الجمعية والقدر المشترك الظاهر بعموم الرحمة الظاهرة الحكم في هذه الدار، فلما جهلوا كنه الأمر فاغتروا وادعوا وأشركوا وأخطأوا في الإضافة، فلا جرم استعدوا بتلك الأحكام الغضب والانتقام، فالحق يطالبهم بحقه في القيامة.
ولولا سبق الرحمة الغضب، ما تأخرت عقوبة من شأنه ما ذكرناه، مع انه ما ثم من سلم من الجور بالكلية، ولو لم يكن إلا جورنا في ضمن أبينا آدم حين مخالفته فلكل منا نصيب من ذلك، يجني ثمرته عاجلا بالمحن، وآجلا بحكم:
وإن منكم إلا واردها
[مريم:71].
अज्ञात पृष्ठ