فانظر كيف أصلح الله الأنبياء بالملائكة، وكيف أصلح الملائكة بعضهم ببعض، إلى أن ينتهي إلى الملك المقرب الذي لا واسطة بينه وبين الله، فينتهي إلى حضرة الربوبية التي هي ينبوع كل نظام، ومطلع كل حسن وجمال، ومنشأ كل كمال واعتدال.
وكل ذلك الذي عددناه قطرة من بحار كرمه ونعمه، ولولا فضله ورحمته إذ قال:
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا
[العنكبوت:69]، لما اهتدينا إلى معرفة هذه النبذة اليسيرة. ولولا عزله إيانا لكمال رأفته عن أن نطمح بعين الطمع إلى الاحاطة بكنه نعمه، لتشوقنا إلى طلب الاحاطة والاستقصاء، لكنه عزلنا عن ذلك إذ قال:
وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها
[إبراهيم:34].
فبإذنه انبسطنا، وبمنعه انقبضنا، لأنه القابض والباسط لأزمة أفكارنا، وهو الممسك والمرسل لأعنة عقولنا واختيارنا.
فهذا ما أردنا ايراده من بيان حقيقة النعمة وتقسيمها، وذكر أقسامها ودرجاتها ومجامعها وأصنافها، والإشعار بأنها متسلسلة، وأن الإحاطة بها ليس بمقدور البشر وإنما هو شأن من خلق القوى والقدر.
وليعذرني إخوان الحقيقة في اطناب الكلام في هذا المقام، وايراد نكات لخصتها وجردتها من صحف الكرام، تكثيرا لفوائد هذا الباب، وتشبها بالبررة الكتاب، ومنه البداية وإليه المآب.
قوله جل اسمه:
अज्ञात पृष्ठ