265

[الأنفال:17]. وذلك هو الفوز العظيم والمن الجسيم.

عقدة وحل

[بماذا يتفاضل السعيد على الشقي]

ولعلك تضطرب أيها القدري وتصول، فتقول: إذا كانت الفضائل والرذائل والمحاسن والقبائح، والطاعات والمعاصي، وبالجملة الخيرات والشرور كلها مقدرة مكتوبة علينا قبل صدورها منا، معجونة فينا، مربوطة بأوقاتنا التي تصدر فيها عنا، فما بالنا لا نتساوى فيها ولا نتعادل؟ ولم لا نتشاكل فيها ونتماثل؟ وكيف نحترز عما يجب الاحتراز عنها، فننجو من وبالها وتبعاتها؟ وبأي شيء يتفضل السعيد على الشقي وقد تساويا فيما قدر لهما؟ وأين عدل الله فينا وقد قال تعالى:

ومآ أنا بظلام للعبيد

[ق:29].

فنجيبك أيها القدري بما قد مر ذكره في تفسير قوله تعالى:

اهدنا الصراط المستقيم

[الفاتحة:6] من أن الاستعدادات مختلفة، والصور النوعية الفائضة عليها من جهة الوسائط العقلية التي (هي) مظاهر الأسماء الإلهية متنوعة، فالأرواح الإنسية بحسب الفطرة الأولى متباينة، وفي درجات القرب والبعد من الله تعالى متفاوتة، وفي مراتب الصفاء والنورية والكدورة والظلمة متخالفة.

والمواد السفلية التي هي بإزائها أيضا متفاوتة في القرب والبعد من الاعتدال الحقيقي، فقابليتها لما يتعلق بها من الأرواح متباينة، وقد قدر الله بإزاء كل روح فيضها في قضائه، ما يناسبها من المواد، وحصل من مجموعها استعدادات مناسبة لبعض العلوم والادراكات دون بعض، موافق لبعض الأعمال والصناعات دون بعض، على ما قدر لها في العناية الأولى والقضاء السابق، كما قال: " الناس معادن كمعادن الذهب والفضة " وتتفاوت العقول والإدراكات، والأشواق والإرادات، بحسب اختلاف الطبائع والغرائز، فينزع بعضهم بطبعه الى ما ينفر عنه الآخر، ويستحسن أحدهما بهواه، ما يستقبحه الثاني. والعناية الإلهية تقتضي نظام الوجود على أحسن ما يمكن.

अज्ञात पृष्ठ