206

وكذلك وضعوا بإزاء تفرقة الأسبوع، وظلمة انفرادهم بدؤوب الأشغال والمكاسب والملابس البدنية والملاذ الجمسانية، اجتماع قوم على العبادة والتوجه، لتزول وحشة التفرقة بأنس الاجتماع والحضور، ويحصل بدل ظلمة النفرة نور المحبة الايمانية، ويرفع عنهم ظلمة الاشتغال بالأمور الجزئية، والإعراض عن الحق من جهة الأغراض المختصة الشخصية.

وهكذا الحال في أكثر التكاليف، إذ مرجع الغرض في أكثرها الى تصفية القلب عن ظلمة الدنيا، وتجريد الباطن عن كدورة الطبيعة ودرن اللذات الجسمانية، وتخليص العقل عن طاعة الهوى والشيطان بنور طاعة الحق بالايمان.

مكاشفة اخرى

في لمية وجوب الصلاة مطلقا من بين العبادات على عامة الناس بوجه عقلي

لما علم الشارع ان جميع أفراد الإنسان لا يرتفعون عن حضيض البشرية، ولا يرتقون في مدارج العقل الى درجة الملكية بحسب المعرفة والإخلاص، فلا جرم سوى لهم رياضة بدنية، وساسهم سياسة تكليفية، تخالف أهواءهم الطبيعية، وحفظ لهم الصورة الإنسانية، وراعى فيهم حكاية النسك العقلية، وهيكل العبادات الملكية.

فمهد لهم قاعدة في الأذكار والأوراد، وألزمهم ترك النسيان بتكرير الأعداد، وهي في الوجوب أعم وفي الحس أعظم، لترتبط بظواهر أشخاص الإنسان، وتمنعهم عن التشبه بسائر أفراد الحيوان، وأقر بهذا الهيكل الظاهر على كل بالغ عاقل، فقال (صلى الله عليه وآله):

" صلوا كما رأيتموني "

، ولو قال: صلوا كصلاتي، فمن الذي صلى مثل صلاته؟ لأنه كان يصلي وبصدره ازيز كأزيز المرجل من البكاء، وكان في صلاته يرى من خلفه.

فقد ظهر أن في صلاة القالب مصلحة كثيرة لا تخفى على اللبيب العاقل، ولا يقر به لسان الجاهل العاذل. وهذا المعنى من الصلاة قد كانت واجبة على الأمم السابقة على أعداد اكثر من اعداد صلواتنا لعموم جدواها، وكانوا مكلفين بأعمال جسمانية كثيرة المشقة لغلبة القسوة والجسمانية عليهم، وقلة ظهور آثار الملكوتيين منهم.

وشريعتنا المحمدية - على الصادع بها وآله خير الصلاة والتحية - أقل تكليفا وأكثر منفعة، لصفاء القوابل، ولطافة القلوب، ورقة الحجاب في أمته بحمد الله، ولذلك قال: بعثت بالشريعة السهلة السمحاء.

अज्ञात पृष्ठ